بقلم :طه رجب عبد العزيز عضو فريق حراس التراث والحضارة
أجمع علماء التاريخ والاجتماع علي ان مصر كانت مهد الحضارة الإنسانية منذ عهود البشرية الاولي ومع هذا فالمرأة لم تلعب في الحياة السياسية دورا يذكر الا في ثلاث فترات متباعدة بدأتها الملكة حتبسوت الفرعونية والملكة كليوباترا البطلمية ثم شجر الدر الايوبية وقد يكون ذلك دليلا كافياً علي ما امتازت به هؤلاء الملكات من صفات ممتازه ونادره جعلتهن يقتحمن هذا الميدان .
وشجر الدر ، جارية من جواري الملك الصالح ، اشتراها الملك نجم الدين أيوب واختلف المؤرخون في تحديد جنسيتها ، فمنهم من قال بأنها من أصل تركى أو خوارزمى وقد تكون أرمينية.
ولكن لم تكن شجر الدر كباقي الجاريات ، بل تميزت بالذكاء ، والفطنة ، والجمال كما أنها نالت الإعجاب بفتنتها وفنها ، إذ كانت متعلمة ، تجيد القراءة ، والكتابه ، والغناء أعجب بها الملك نجم الدين واشتراها وحظيت عنده بمنزلة رفيعة ، بحيث أصبح لها الحق في أن تكون المالكة الوحيدة لقلبه وعقله ، وصاحبة الرأي ثم أصبحت الشريكة الشرعية ، وأم ولده خليل ومات وهو صغير السن.
الموقع القبه:-
تقع بشارع الخليفة المتفرع من ميدان أحمد بن طولون تجاه مشهد السيدة رقية.
منشئ القبة :-
شجر الدر زوجة السلطان الملك الصالح نجم الدين ايوب.
تاريخ الإنشاء :-
أنشأتها شجر الدر زوجة السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب، وذلك عام 648هـ/ 1250م
الوصف المعماري للقبة :-
القبة تشكل بناء مربع التخطيط طول ضلعه من الخارج حوالي تسعة أمتار وربع المتر، مزود بثلاث مداخل محورية كما هو الحال بالنسبة لقبة الخلفاء العباسيين، الرئيسي منها يشغل منتصف الواجهة الغربية ويعلوه حنية صماء معقودة بعقد منکسر تملا حشواته أضلاع مشعة تنتهي بعدة صفوف من المقرنصات، يكتنفها من أعلى حنيتان صغيرتان يتوج كل منهما عقد منکسر به أضلاع مشعة أيضا، كما يشغل تواشیح العقود ثلاث جامات مستديرة بها وريدات متعددة الفصوص ومعين واحد، ويلاحظ أيضا أن هذه الواجهة تنتهي بطرفي رباط شمالها وجنوبها الأمر الذي دفع باتریکولو، أحد علماء لجنة حفظ الآثار العربية إلى الاعتقاد بأنه كان يتقدم هذا المدخل سقيفة محمولة على دعامتين، على غرار بعض العمائر الفاطمية كمسجد الصالح طلائع خارج باب زويلة ويتوسط الواجهة الشرقية للقبة بروز نصف دائرى ينتهي بطاقية ربع دائرية الشكل، يضم بداخله تجويف المحراب، ويكتنفه من شمال وجنوب حنيتان ضحلتان يتوج كل منهما عقد منکسر ذو أضلاع مشعة تنتهي بعدة صفوف من المقرنصات ، كما يشغل تواشیح العقود جامات ومعينات يتخللها أشكال هندسية ، أما طرفي الواجهة فقد زينا بشطف مقرنصات جصية صغيرة وزعت على أربعة صفوف أما الواجهة الشمالية فلم يعد بها إلا بقايا الشريط الكتابي الذي يؤرخ للمسجد الذي كان ملاصقا لهذه الواجهة والمدخل المؤدي إلى داخل القبة الذي يقع على محور المدخل الذي يتوسط الواجهة الجنوبية وجميع واجهات المبنى كانت مكسية وقت الإنشاء بطبقة من الملاط زالت معظمها في الأجزاء السفلية من الآثر .
وتؤدي المداخل الثلاثة إلى داخل القبة وهي عبارة عن مربع طول ضلعه سبعة أمتار ويشغل الضلع الشرقي حنية المحراب وهي معقودة بعقد منکسر، يزينه ثلاثة صفوف من المقرنصات، كان يرتكز في الماضي على عمودين لا وجود لها في الوقت الحاضر، وله بدن عمیق ويعلوه طاقية من الفسيفساء الزجاجية الملونة، قوامها شجرة ذات فروع مثمرة متشعبة يلتف حولها جديلة مضفورة نفذت بألوان متعددة ، نجد بينها الأخضر والأزرق والأبيض والأحمر على أرضية من الفسيفساء المذهبة، تعد بدورها أحد الأمثلة القليلة المتبقية بعمائر مصر الإسلامية.
أما باقي أضلاع القبة الثلاثة فيشغل كل منها فوق فتحة المدخل حنية جصية مستطيلة يعلوها عقد منکسر یزین داخله صفين من المقرنصات، ويحدد إطاره شريط من كتابات نسخية على أرضية نباتية، في حين زينت تواشیح العقود بزخارف نباتية متشابكة، أرابيسك ويحيط بجدران القاعة افريز خشبي عرضه حوالي نصف متر، يتألف من اثنی عشر لوحا تزدحم بكتابات كوفية قرآنية وبعض العبارات الدعائية، تقوم على أرضية من الزخارف النباتية، يرجح كل من كریسويل والمرحوم فريد شافعي أنها منقولة من أحد العمائر الفاطمية، وكان يغطي هذا الافريز طبقة من الجص نقش فوقها كتابات نسخية تشتمل على آیات قرآنية وعبارات مدح في الرسول ﷺ ويعلو هذا الأفريز طراز خشبی آخر يعلوه كتابات نسخية باللون الأبيض تشير إلى صاحبة القبة نصها " بسم الله الرحمن الرحيم (هذه) تربة الستر الرفيع والحجاب المنيع عصمة الدنيا والدين والدة الملك المنصور خليل بن مولانا السلطان الملك الصالح نجم الدين أبي الفتح أيوب بن مولانا السلطان الملك الكامل ناصر الدين أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب خليل أمير المؤمنين قدس الله روحه ونور ضريحة التي خطبت الأقلام بمناقبها على منابر الطروس وشهدت لها المفاخر بالمجد الثابت في أعلى الفردوس الذي أضحت شموس المملكة لها طالعة وآراء الأمراء الأمرها مطيعة وسامعة أعز الله أنصارها وضاعف اقتدارها وأعلى منارها ورفق أراها وجعل الجنة مثواها لأعلا آمين إنها مؤيدة منصورة على مر الليالي والأيام بمحمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين الكرام.
ويرتفع فوق جدران هذه القاعة قبة ارتفاعها أربعة عشر مترا ولها قطاع على شکل عقد منکسر، مشيدة من الاجر تقوم فوق مناطق انتقال تتألف من المقرنصات، بكل منهما ثلاث حنايا يتوجها عقود منكسرة، يعلو بعضها البعض، شيدت بدورها من الأجر المغشی بطبقة من الملاط نقش فوقها زخارف نباتية وهندسية بالألوان المائية يفصل بينهما أربع مجموعات من النوافذ تتألف كل مجموعة من ثلاث نوافذ واحدة في أعلى واثنتان في أسفل يرجح يغشيها ستائر جصية معشقة بزجاج ملون كما هو الحال في قبة الصالح نجم الدين أيوب وفتح أيضا في رقبة القبة ثماني نوافذ يعلوها عقود منكسرة لزيادة الأضاءة والتهوية بقي أن نشير إلى أنه يتوسط أرضية القاعة تركيبة خشبية حديثة مطعمة بعشر لوحات قديمة منقوشة بكتابات نسخية بارزة سبع منها تشتمل على آیات قرآنية من سور متعددة وثلاث على حكم ومواعظ نصها ' یا واقف على قبري لا تعجب من أمري بالأمس كنت أنا مثلك وأنت غداً تكون مثلی نعم المسكن لمن أحسن فإن من اتقى ونال أعلا المراتب وارتقا وهم أهل الصلاح واتقی نعم المسكن لمن أحسن.
تاريخ الوفاة:-
فى الموسوعات التاريخية فيذكر فى كتاب المقريزى إنها توفيت فى يوم السبت الثامن عشر من ربيع الآخر، وهو ما يختلف ذكره مع ما ورد فى موسوعة "النجوم الزاهرة" للمؤرخ ابن تغر بردى، حيث قال إنها وجدت مقتولة فى يوم السبت حادى عشر من ربيع الآخر.
ويذكر ابن تغر بردى فى "النجوم الزاهرة (الجزء السادس ص 648)" إنها بعد مقتل أيبك ومحاولة مماليك الأخير قتلها أقامت فى البرج الأحمر فى قلعة الجبل، وكان يحميها الملوك الصالحية، وكانت زوجة أيبك وابنه المنصور يحرضان ضدها إلا إنها وجدت مقتولة مسلوبة خارج القلعة، فحملت إلى مكان دفنها بقرب من مشهد السيدة نفيسة، ودفنت هناك.
أما المقريزى فى "السلوك لمعرفة دول الملوك (الجزء الأول ص 394)"، إنه لما تولى ابن المعز أمر السلطنة، حُملت شجر الدر إلى أمه فضربها الجوارى بالقباقيب إلى أن ماتت وألقوها من سور القلعة وليس عليها سراويل وقميص، فباتت فى الخندق أياما، إلى أن حملت ودفنت فى مشهدها النفيسى.
تقول الدكتورة سعاد ماهر فى مؤلفها الضخم عن مساجد مصر وأوليائها الصالحين فى الجزء الثانى ان قتلها بهذه الصورة البشعة منع دفنها فى ضريحها هذا.. ولكن بعد قرنين أو ثلاثة دفن فى ضريحها أحد الخلفاء العباسيين
المراجع:-
- الموسوعة العربية الميسرة ، دار نهضة لبنان للطبع والنشر ، بيروت ــ لبنان ، ص1076 ، 1317هــ ، 1987.
- خير الدين زركلي ، الأعلام ، قاموس وتراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستغربين والمستشرقين ، ص 76.
3.احمد عبد الرازق احمد، العماره الاسلاميه في مصر منذ الفتح العربي حتى نهايه العصر المملوكي، دار الفكر العربي للطباعه والنشر والتوزيع، الطبعه الاولى 1430 هجريا 2009 ميلاديه.
- سعاد ماهر ،مساجد مصر وأولياء الله الصالحون ج 2
5-المقريزى فى "السلوك لمعرفة دول الملوك الجزء الأول .