كتبت أ / صفاء محمد
خبيرة سياحية
خمسة جنيه. ده المبلغ اللى دفعه ماكس هيرتز مدير المتحف الإسلامى فى
ثلاثينات القرن الماضى لواحد اسمه مصطفى بك شمس الدين فى مقابل قميص
من الكتان أصبح من أشهر مقتنيات المتحف الإسلامى فى القاهرة
و سبب شهرة القميص هو الحكايات اللى اتقالت عنه و وصفته بإنه مسحور .
القميص يعود إلى عصر الدولة الصفوية فى إيران فى القرن الـ 17 , و عمره
حوالى 350 سنة , صنع خصيصًا لشاه إيرانى اسمه صفى الثانى و شهرته
سليمان الصفوى عشان يحميه .
ذهب مصطفى بك شمس الدين لماكس هيرتز و يلحّ عليه يشترى القميص لأنه تحفة نادرة , لكنه لم يُفصِح عن سر القميص و رحلته من إيران لمصر .
القميص عبارة عن تميمة يتم ارتداءها على كامل الجسد , بتعتمد فى قوتها
على 3 أشياء : طاقة الكلمة و طاقة الأرقام و طاقة الأشكال الهندسية .
للحصول على طاقة الكلمة اعتمد خياط القميص الإيرانى على كتابة بعض الآيات
القرآنية . و للحصول على طاقة الأرقام استخدم حاجة اسمها "الجَفر" معروفة عند
الشيعة بتعتمد على تحويل الحروف لأرقام و العكس .
و للحصول على طاقة الأشكال الهندسية اعتمد خياط القميص على توظيف بعض
الأشكال الهندسية , و ده اللى يهمنا فى الموضوع , لأن الأنماط الهندسية دى أول
ظهور ليها فى العالم كان فى مصر القديمة .
ومن الواضح أن الخياط أو الساحر الذى قام بتصميم القميص كان عنده فكرة عن علوم الحضارات القديمة و أهمها حضارة مصر و العراق , لأنه أخد من العراق فكرة تحويل الأعداد لحروف و العكس , و ده اللى بيسموه الجَفر . و أخد من مصر فكرة توظيف الأشكال الهندسية لصنع تميمة . و للحصول على قوة الكلمة استخدم آيات قرآنية , لأن ده المتاح له فى عصره حسب ثقافته و ديانته , مع العلم إن فكرة قوة الكلمة أصلها يعود إلى مصر القديمة . الكون – فى الصوفية المصرية – اتخلق
بقوة الكلمة لما الخالق (بتاح) نطق اسم كل مخلوق , و قوة الكلمة هى اللى
أوجدت كل ما هو موجود . عشان كده كان فيه تمائم فى مصر القديمة على هيئة
كلمات مكتوبة بالرموز الهيروغليفية اللى أطلق عليها أجدادنا اسم "مِدو نِتِر" ,
يعنى كلام ربنا , لأنها مستمدة من الطبيعة . من أشهر الكلمات المستخدمة كتمائم
فى مصر القديمة كلمات "عَنخ/وِجا/سِنِب" و معناها الحياة و السلامة و الصحة .
فى بوست آخر هنبقى نحكى أكتر عن موضوع التمائم فى مصر القديمة
ونعود إلى موضوع الأشكال الهندسية و مغزى استخدامها كتميمة
من فجر الزمان العقل المصرى كان بيتأمل الأزهار فى الطبيعة و طريقة
تشكيل البتلات داخل الزهرة , و من تأمُل تكوين الأزهار أجدادنا لاحظوا إن فيه
أنماط هندسية بتعيد تكرار نفسها فى كل زهرة جديدة بتنبت , و إن الأنماط دى
ثابتة ما بتتغيرش و ممكن للإنسان إنه يختزل الزهرة فى شكل هندسى بإنه يوصل
أطراف البتلات بخطوط متقاطعة .
الفنان المصرى وضح لنا الفكرة بكل بساطة من خلال المناظر اللى سجلها فى
بعض المقابر و المعابد , زى معبد الملك سنوسرت الأول فى الفيوم
من مملكة النبات استوحى الفنان المصرى أشكال هندسية مختلفة و قام بتوظيفها
بأكتر من طريقة , منها زخرفة أسقف المقابر فى البر الغربى فى الأقصر , و زخرفة الصناديق و أوعية مساحيق التجميل , و كمان زخرفة الملابس
هذه الأشكال الهندسية عبارة عن أكواد موجودة فى بذرة كل نبتة , و هى اللى بتحكم
نمو النبات و تجعله يحافظ على نفس الشكل فى كل مرة يُعاد فيها استنباته .
كل زهرة بتنمو بنفس الشكل و نفس عدد البتلات و طريقة تشكيلها داخل الزهرة
و بتحافظ على نفس الكود الهندسى بدون أى تغير و تنقله للنبتة الجديدة
الأكواد دى – فى نظر المصريين القدماء – مش مجرد قوانين عمياء بتشتغل بدون
وعى , دى قدرة إلهية ساكنة فى بذرة كل نبات , و مع كل نبتة جديدة بيتم تفعيل
القدرة الإلهية دى و تقوم بدورها فى خلق حياة جديدة .
من أجل هذا فقد رأى العقل المصرى فى الأشكال الهندسية رمزًا لقوى الخلق ,
و طالما قوى الخلق موجودة و بتقوم بعملها فى خلق حياة جديدة يبقى قوى الفوضى
و الهدم (اللى بيقولوا عليها مجازاً شياطين) مش هتقدر تقوم بعملها , لأن البناء
و الهدم ما يجتمعوش مع بعض فى نفس اللحظة .
هى دى الفكرة الأساسية اللى بيقوم عليها مفهوم التميمة فى الحضارة المصرية .
التميمة ببساطة بتستدعى الحضور الإلهى , لأنه هو أقوى درع و سلاح ضد قوى
الفوضى و الهدم , اللى بيتقال عليها بالبلدى أسماء مختلفة : شياطين / عين حسود