كاسل الحضارة والتراث Written by  تموز 16, 2022 - 381 Views

مظاهر عيدي الفطر والأضحى بين الطقوس الرسمية والعادات الشعبية في مصر المملوكية

Rate this item
(0 votes)

 د/ إيمان صلاح عطاطة

إن عيدي الفطر والأضحى من الأعياد الشرعية عند المسلمين والتي كان لها مظاهر خاصة، تنوعت بين الطقوس الرسمية للسلاطين المماليك وطبقتهم وبين العادات الشعبية لأهل مصر.

احتفل سلاطين المماليك بعيدي الفطر والأضحى المبارك رسميًا من خلال بعض الطقوس والممارسات التي كان لها ترتيب وتنظيم معين يبدأ بأداء صلاة العيد فكان السلطان المملوكي يخرج يوم في أول العيد في موكب ضخم لأداء فريضة صلاة العيد ، فينزل إلى الميدان ويكون نزوله وصعوده من باب خاص من دهليز البلاط السلطاني الذي لا يخرج منه إلا في هذه المناسبات غالبًا ، واختلف مكان صلاة العيد فكان سلاطين المماليك البحرية قد اختاروا ميدان العيد لأداء صلاة العيد حيث مكان متسع يتوفر فيه عنصر الفرجة وإظهار هيئة السلطان المملوكي في موكب العيد وذلك على عكس سلاطين المماليك البرجية الذين اختاروا جامع القلعة لأداء صلاة العيد، وفي الميدان يحضر خطيب المسجد فيخطب ويصلي صلاة العيد وبعد الإنتهاء من سماع الخطبة وصلاة العيد يركب السلطان المملوكي ليعود إلى الإيوان الكبير بالقلعة ويكون ذلك بموكب ضخم فيحيط بالسلطان كبار رجال الدولة والقضاة والأمراء الخاصكية وأمامه الأمراء الطبردارية والمشاعلية ويشق شوارع القاهرة وسط تجمع عوام القاهرة.

وعند الإنتهاء من الصلاة يعود السلطان المملوكي إلى بلاطه ليتقبل التهاني ويُمد سماطًا عظيمًا ويُسمى سماط العيد ويحتوي على كل أنواع الأطعمة الفاخرة والمشروبات، ويكون هذا السماط مكلفًا حيث أنه بلغ في بعض الأحيان أكثر من خمسين ألف دينار، وقد كان للسماط السلطاني ترتيبه ونظامه فيكون مكان السلطان على رأس السماط في حين يجلس الأمراء على يمينه ويساره على قدر مراتبهم في القرب من السلطان المملوكي.

ويتم توزيع الخلع والهدايا لكبار الدولة في آخر مرحلة من مراحل الإحتفال الرسمي بالعيد، حيث يقوم ناظر الدولة المملوكية بإعداد الخلع مسبقًا ، وقد تختلف الخلع باختلاف مراتب الأمراء وموظفي الدولة.

ومن الطقوس التي قام بها بعض السلاطين المماليك بمناسبة عيدي الفطر والأضحى  قيامهم بالإفراج عن بعض المساجين للظهور بمظهر التسامح وإكرامًا لهذه المناسبة الدينية ، كذلك بعض نساء البلاط المملوكي اللاتي حرصن على هذه المناسبة ومنهن خوند تتر الحجازية ابنة السلطان الناصر محمد بن قلاوون فخصصت لعدة من الطواشية كانوا يقومون على خدمة مدرستها المعروفة بإسمها الكثير من الهبات وكان يُصرف لهم كعك عيد الفطر.

أما عن الطقوس الرسمية لعيد الأضحى فقد حرص السلاطين المماليك بعد أداء الصلاة التوجه لذبح الأضاحي وتوزيع اللحوم على الخواص والعوام ، كما حرص بعض الأمراء المماليك على توزيع الهدايا على المقربين منه كالأمير قوصون الساقي الذي أنعم على المقربين منه بألف رأس من الغنم وثلاثمائة رأس من البقر في عيد الأضحى سنة 742ه/1341م .

أما أهل مصر المملوكية من الشعب فكان لهم بعض العادات في عيد الفطر والأضحى والتي لا زالت موجودة ومتبعة في المجتمع المصري حتى يومنا هذا حيث أنها جذوراً ممتدة، منها كان البعض يسهر حتى الساعات الأولى من الصباح في إعداد الملابس الجديدة والبعض الآخر يحتفل بهذه المناسبة بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم ويتوجه الرجال مع طلوع النهار لأداء صلاة العيد في تجمع كبير وهم يهللون ويكبرون حتى يصلوا إلى المسجد.

وكانت نساء الشعب المصري تنشغل ليلة عيد الفطر بعمل الكعك والحلوى وينتشرن في الأسواق لشرائها ولشراء الهدايا للصغار، لذلك فقد ازدهرت بعض الأسواق في موسم عيد الفطر لكثرة ما كان يصنع من أنواع الكعك الذي كان يتم الإعداد من منتصف شهر رمضان حتى إذا حل عيد الفطر امتلأت أسواق مصر بأصنافه المتنوعة، ويعيب الفقيه ابن الحاج على المسلمات والمسلمين شراء الكعك من اليهود.  

كما اعتادت بعض نساء الشعب المصري الخروج إلى القرافة صباح أول أيام عيدي الفطر والأضحى، حيث يمرحون ويغنون ويستمع بعضهن إلى الوعاظ والمحدثين من القصاصين والقراء، كما اعتدن أن يلبسن ويتحلين ويتجملن فيه بغاية الزينة ويذهبن إلى القبور متكشفات ويشير ابن الحاج أنهن خلعن جلباب الحياء عنهن، فيشاهد زائر المقابر أحوالهن على هذه الصفة المذمومة -على حد وصفه-، وكان البعض رجالاً ونساءً يقصد شواطئ النيل ويستأجر القوارب للنزهة والاحتفال، ونتيجة لحدوث بعض المفاسد أصدر السلطان الظاهر برقوق سنة (784ه/1382م) مرسومًا بعدم خروج النساء إلى القرافة أو التنزه في النيل ومن وُجدت قُبض عليها لمنع اختلاطهن بالرجال ، كما يعيب ابن الحاج عليهم التوجه إلى اللهو وترك إحياء ليلة العيد بالقرآن الكريم والابتعاد عن الدين والشرع لمذات الدنيا.

ومن العادات التي ألفها أهل مصر تناول السمك المملح المشقوق في أول أيام عيد الفطر، وتتبادل الأسر المصرية التهنئة بالعيد ويتبادلون الكعك والحلوى مع جيرانهم من مسلمين ومسيحيين.

وفي عيد الأضحى فكان البعض يجهز الأضاحي منذ ليلة العيد ، وجرت عادة بعضهم على عدم ذبح الأضاحي في العيد بالرغم من قدرتهم ، وكانوا يكتفون بشراء اللحوم من الجزارين في الأسواق

وترى الباحثة أنه في مثل هذه المناسبات كان المجتمع المصري يرفه عن أنفسهم، فإن هذا لا يمكن تفسيره في إطار "الشرع" كما يحلو ذلك لبعض المعاصرين من المؤرخين بل على العكس فإن هذه الممارسات كانت تمثل نوعًا من الاحتجاج لضياع حقوقهم الطبيعية في الحياة الكريمة من جراء التمايز الحاد بين الطبقة الحاكمة والسواد الأعظم من الطبقة المحكومة ، بل ونعد هذه المناسبات والتفاعل فيها مظهر من مظاهر الاندماج الاجتماعي بين فئات المجتمع المصري.

 

قائمة المصادر والمراجع

ابن الحاج: المدخل ، مكتبة دار التراث، القاهرة، (د.ت)

القلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، ط3، مطبعة دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2010م

المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك، ج3، ج4، تحقيق سعيد عبد الفتاح عاشور، ط3، مطعبة دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2006م

المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية، تحقيق محمد زينهم، مديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1998م

إيمان صلاح عطاطة: نساء العامة في مصر خلال العصر المملوكي، دار زهراء الشرق، القاهرة، 2020م

إيمان صلاح عطاطة: دور نساء البلاط في مصر في العصر المملوكي "648-923ه/1250-1517م" ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الآداب، جامعة طنطا، 2016م

محاسن الوقاد: الطبقات الشعبية في القاهرة المملوكية، سلسلة تاريخ المصريين 152، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999م

من نحن

  • مجلة كاسل الحضارة والتراث معنية بالآثار والحضارة وعلوم الآثار والسياحة على المستوى المحلى والإقليمى والدولى ونشر الأبحاث المتخصصة الأكاديمية فى المجالات السابقة
  • 00201004734646 / 0020236868399
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.