بقلم أ.د. محمد إبراهيم
أستاذ التاريخ الإسلامى بآداب بنى سويف
تمثل الألعاب الرخيصة مثل المرجيحة ( البلدي ) بهجة ومتعة للصغار والكبار , فهي من أكثر الألعاب التي تحقق النشوة والسعادة الممزوجة بحب المغامرة , بل وترتبط بالكثير من الذكريات والحكايات والمواقف المصاحبة للاحتفال بالأعياد والموالد في الريف والحضر .
عرفت المرجيحة في التراث المصري منذ العصر الفرعوني ,حيث وجدت بعض الرسومات علي جدران المعابد الفرعونية, تظهر المرأة التي كانت تساعد زوجها في أعمال الزراعة في الحقل وهي تضع رضيعها في قطعة قماش وتربط كل طرف بين شجرتين فتصبح أرجوحة تهزها إذا بكي الطفل فتعود إليه ابتسامته مرة أخري .
وقد تطورت الفكرة من استخدام هذا النموذج القديم لصناعة المرجيحة من الخشب والقماش لتصنع من الحديد ثم الفيبر جلاس بأشكال وأنواع وأسماء مختلفة , بل تطور الأمر إلي دخول الكهرباء لتشغيل بعض المراجيح عوضا عن التشغيل اليدوي لتحقيق الأمان و السهولة وضبط وقت المرجحة وقوته .
عرفت أنواع وأشكال من المراجيح كان أشهرها مرجيحة القارب وهي نوعان مفرد وجوز, وهي تعمل بالدفع من قبل صاحب المرجيحة إلي الأمام , ثم يقوم الراكب بتعويمها أو دفعها بنفسه من الداخل, كذلك عرفت مرجيحة الزقازيق التي تعددت أسمائها ( الدولاب – القواديس ) وهي عبارة عن صناديق تتراص فوق بعضها البعض يسع كل صندوق لطفلين أو ثلاثة, وتدور من الأسفل إلي الأعلى, كذلك عرفت الغزالة وهي تحتوي علي 8 أحصنة تدور في اتجاة دائري, واحيانا تكون الأحصنة مثبتة وأحيانا تعلق في سلاسل ( جنازير ), كذلك ظهرأخيرا نوع يسمي ( السوستة المطاطية ) وهي التي يقوم الطفل بالدخول إليها وترفعه السوستة إلي أعلي .
ارتبطت المرجيحة – دائما – بالاحتفالات والموالد فكلما كان هناك مولد كانت هناك مرجيحة, كذلك ارتبط وجودها أمام المدارس والمناطق الشعبية لأن اغلب زبائنها من الأطفال والصبية والشباب الساعين إلي التحليق في الهواء والعلو إلي السماء تحقيقا للنشوة والمغامرة .
أما عن صناعة المراجيح فقد ارتبطت ببعض المناطق التي يتوفر بها الحدادين مثل حي السبتية بالقاهرة ومدينة طنطا والزقازيق وقليوب, حتي ان البعض من صانعيها كان يطلق عليه (حداد مراجيح ), اما عن تكلفتها فقد يصل بعضها إلي 10 آلاف وحتي 20 الف جنية لصناعة أغلبها من الحديد والصاج واحيانا الخشب .
كانت المرجيحة ( القارب) هي أكثر الأنواع انتشارا ورواجا لما تحدثه من نشوة الصعود لأعلي وأحيانا الشقلبة عدة مرات بهذا القارب تبعا لبراعة راكبها, بل كانت هذه الشقلبة مسار منافسة ورهانات بين الشباب في تكرار عدد مرات الشقلبة , علي الجانب الآخر كانت هناك تقاليد وسلوكيات مرعية من قبل ركوب البنات لها , وكان أهمها الا تركبها البنت وهي ترتدي فستان قصير , إذ كان يراعي أن ترتدي تحت الفستان بنطلون , كذلك حرص الأباء والأمهات أن يكونوا بجوار المرجيحة وجوار أبنائهم منتظرين لنهاية الدور والنزول من المرجيحة , كذلك التنبية علي صاحب المرجيحة بتشغيل الفرامل ( الكاوتش ) إذا صعدت المرجيحة لأعلي أكثر من اللازم تجنبا لإصابة أبنائهم أو شعورهم بالدوخة .
اما عن أسعار ركوب المرجيحة فقد كانت تتراوح قديما بين قرش صاغ للدور ثم 5 قروش ثم 25 قرش ثم جنية , وهي بالمقارنة بأسعار الملاهي المتخصصة الحديثة تعد رخيصة لأن معظمها يعمل بشكل يدوي دون كهرباء أو تذاكر دخول, لذلك اطلق عليها البعض (ملاهي الغلابة)فضلا عن أنها ملاهي متنقلة ترتبط بالأحياء الشعبية وساحات الموالد فهي بهجة رخيصة .
أحتلت المراجيح مكانة كبيرة في التراث السينمائي والغنائي, فقد ظهرت مع العديد من الأفلام التي عالجت بعض مشاهدها الموالد والاحتفالات بالأعياد كفيلم ( السيرك ) لحسن يوسف وسميرة احمد , وفيلم تمر حنة لنعيمة عاكف ورشدي أباظة , وقد المحت بعض المشاهد بان أغلب أصحاب المراجيح قديما كانوا من الغجر المتجولين في الموالد , علي الجانب الاخر عبرت الأغنية الشعبية عن المرجيحة وكان أشهرها ماغناه الشيخ أمام ( ياعم إدريس ياعم إدريس .. يابو المرجيحة والقواديس .. ماجاش الدور عشان يطلع قادوسي لفوق.. وابوس النور واطفي للعلالي شوق )كذلك غني أحد المطربين الشعبيين يسمي عمرالسعيد أغنية ( الدنيا زي المرجيحة يوم تحت لفوق) التي حققت نجاحا وانتشارا كبيرا وأصبحت من أكثر الغاني في الأفراح والمناسبات , كذلك استغلت أحدي المطربات( دالي حسن ) المرجيحة في التعبير عن أنوثتها بالغناء ( ركبني المرجيحة .. حلوة قوي ومريحة ) والتي حققت مشاهدات بلغت 8 مليون علي مواقع اليوتيوب , لما حملته من إثارة للشهوات, لأن المرجيحة أصبحت فضاحة تتطاير معها عدة أشياء في هذا العصر, بعد أن فقدت بهجة الطفولة وبرائتها !!!!!!!