كتبت - نهى علي محمد علي
مركز تسجيل الآثار بالقلعة- وزارة الآثار، وباحثة دكتوراه في الآثار الإسلامية- جامعة حلوان.
يُعبر مصطلح "العمارة الكلاسيكية" عن المباني ذات الطابع اليوناني والروماني، وقد مرت العمارة الكلاسيكية في تاريخ الفن الأوربي بثلاث مراحل جاءت بعد الحضارة اليونانية،
وتميزت بإحياء وإتباع المقاييس والقواعد الفنية التي نشأت عند اليونان، المرحلة الأولى هي "المرحلة الرومانية" وقد إستمرت منذ سنة 146 ق.م وحتى بداية العصر
المسيحي في القرن الرابع الميلادي، والمرحلة الثانية هي "مرحلة عصر النهضة" في القرنين الرابع عشر والخامس عشر بعد الميلاد، أما المرحلة الثالثة فهي "مرحلة
الكلاسيكية الجديدة" أو "الكلاسيكية العائدة" التي ظهرت في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في أوروبا ثم إنتقلت إلى مصر في نهاية القرن التاسع عشر.
أما عن مصطلح "الكلاسيكية الجديدة" فقد إستُخدم بشكل خاص للتعبير عن عملية الإحياء التي تمت في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي بعد إكتشاف المدن الرومانية
القديمة مثل "هيركولانيوم وبيستون وبومبي" فيما بين عامي 1736: 1756م، وإنتشر ذلك الطراز المعماري في أوروبا لعدة عوامل كان أهمها تلك الإكتشافات للمدن القديمة
ودراسة الأوروبيين لها ونشر كتب عنها، كما قام بعض علماء الآثار والمنقبون الأوروبيون بنقل تماثيل وزخارف وأجزاء من المعابد والآثار الكلاسيكية القديمة إلى أنحاء أوروبا، ونشر
صورها في كتب ولوحات، فقابلها طبقة المثقفين والأغنياء والطبقة المتوسطة بإهتمام بالغ، وإنتشرت في بيوتهم التماثيل والزخارف المنقولة عن الآثار اليونانية والرومانية.
وقد أطلق مصطلح "الكلاسيكية الجديدة" على ذلك الطراز المعماري تمييزاً له عن طراز "عصر النهضة"، حيث كان يوجد تشابه كبير بينهما لقيام كلا الطرازين بدور الإحياء لفنون
العصور الكلاسيكية القديمة "اليونانية والرومانية" مما جعل هناك إشتراك وتشابه بين الطرازين في السمات المعمارية والفنية العامة.
إلا أن تأثير العمارة الكلاسيكية القديمة على عمارة طراز الكلاسيكية الجديدة كان أكثر دقة من تأثيرها على عمارة عصر النهضة، وكان يوجد إختلاف واضح بين الطرازين في
إستخدام التكوين الكلاسيكي للعمارة، فقد إستخدم مهندسي "عصر النهضة" العمارة الكلاسيكية بأشكال مبتكرة ومختلفة عن مصدرها الكلاسيكي، أما مهندسي
"الكلاسيكية الجديدة" فقد قاموا بنسخ العناصر المعمارية الكلاسيكية كما هي، بل وقاموا بتقليد البناء كله أحياناً، وعلى الرغم من وجود بعض السمات المميزة لطراز
الكلاسيكية الجديدة إلا أن الكثير من المراجع كانت تمزج بينه وبين طراز عصر النهضة.
إنتقال طراز الكلاسيكية الجديدة إلى مصر:
بدأت الطرز الأوروبية تفِد إلى مصر منذ بداية عصر أسرة محمد علي في القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك لعدة أسباب أولها الحملة الفرنسية التي أتاحت لمصر الفرصة
للإنفتاح على الغرب الأوروبي وإنتقال الكثير من المؤثرات المعمارية والفنية الأوروبية إليها، مما أدى إلى حدوث نهضة معمارية وفنية بها، كما جعلت من مصر محط أنظار
للأوروبيين وتوافدت الجاليات الأجنبية إليها، وأدى وجودهم في مصر إلى ظهور أنواع جديدة من المباني لم تكن موجودة من قبل، مثل المسارح والملاهي ودور الأوبرا والفنادق
ومباني البورصة ومحطات السكك الحديدية، وتم إنشاء تلك المباني تبعاً لنماذج معمارية غربية، مما أدى إلى دخول الطرز المعمارية الأوربية إلى مصر.
بالإضافة إلى سياسة الأسرة العلوية في الميل نحو الغرب الأوروبي والإستعانة بخبرائهم وشركاتهم لتنفيذ المشروعات الكبرى في مصر، وإنشاء مدارس أجنبية، وكذلك إرسال
المصريين إلى أوروبا للتعلم ونقل معارف أوروبا وخبرة علمائها ومهندسيها وفنانيها إلى مصر.
ومن ثم بدأت الطرز المعمارية الأوروبية المختلفة تفِد إلى مصر، ومنها طراز الكلاسيكية الجديدة الذي كان من أهم وأبرز الطرز المعمارية التي إنتقلت إلى مصر، وبدأ ظهوره منذ
أواخر القرن التاسع عشر، وتجسد أولاً في أعمال المعماريين الأوروبيين في مصر، ثم على يد المعماريين المصريين الذين تأثروا بالطرز الأوروبية بعد عودتهم من البعثات للخارج،
وإستمر حتى عهد "الملك فاروق" عام 1952م.
تأثرت عدة مباني في القاهرة والإسكندرية بطراز الكلاسيكية الجديدة، وكان يستخدم عادة في المنشآت الحكومية وأعمال المنافع العامة كالمستشفيات والبنوك، وذلك لأنه
كان طراز معماري قليل الزخارف عكس الطرز المعمارية الأوروبية الأخرى مثل النهضة والرومي التركي والقوطي والباروك والروكوكو التي كانت غنية بالعناصر الزخرفية، فكان يكثر
إستخدامها في جميع المنشآت بلا إستثناء سواء كانت دينية أو سكنية أو غيرها.
ظهر طراز الكلاسيكية الجديدة في القاهرة والإسكندرية مثله مثل باقي الطرز الأوروبية التي لم تظهر سوى في العناصر المعمارية والفنية بالواجهات الخارجية للمبنى أما
المبنى من الداخل فكان يتم تقسيمه تبعاً لطبيعة المبنى ووظيفته التي أنشئ من أجلها.
ومن أهم المنشآت التي تأثرت بطراز الكلاسيكية الجديدة بالقاهرة قصر عباس حلمي الثاني بحلوان والمستشفى اليوناني بالعباسية ومبنى البورصة المصرية بوسط البلد.
إلا أن طراز الكلاسيكية الجديدة ظهر في الإسكندرية بشكل أوضح، وذلك بسبب وجود عدد كبير من الجاليات اليونانية والإيطالية بها، وأدى ذلك إلى إنتشار الطراز المعماري
الخاص بهم وظهور منشآت مشابهة تماماً للمنشآت الكلاسيكية مثل فيلا "بندرناجيل" التي تشبه معبد "الأرخثيون" في أثينا، والمدخل الرئيسي لإستاد الإسكندرية الذي جاء
كبوابات النصر الرومانية، وكذلك الواجهة الرئيسية للمتحف اليوناني الروماني التي تذكرنا بواجهات المعابد اليونانية.