بقلم / أحلام السيد الشوربجي
باحث ماجستير في التاريخ الإسلامي كلية الآداب جامعة دمنهور
يُعد المرض النفسي أعظم من الأمراض العضوية، بل إن المرض النفسي قد يأتي بأمراض عضوية، فالأمراض العضوية يمكنك علاجها بالعقاقير وتشفى، أما الأمراض النفسية إذا لم تُعالَج قد يفضي بها إلى الانتحار.
الأمراض النفسية شأنها كشأن باقي أمراض الجسم حيث من الممكن أن تتعب وتمرض وتحتاج للعلاج؛ فالإنسان يتكون من جسد وروح، والجسد الظاهر يمكنك تعديل السلوكيات الصادرة منه وعلاجها بسهولة، ولكن ماذا عن الروح إذا حدث لها اضطراب، كيف يتم علاجها ؟ ، فالكثير من الناس يعانون من الأمراض النفسية ولكن لا يجدون سبيلا إلا التغافل عن المرض أو عدم إبداء أي أهميه له، في حين أن المرض النفسي له أضرار من شأنها تدمير الصحة النفسية للمريض؛ ومن هنا يجب علينا معرفة كل جوانب المرض النفسي وكيفية الوقاية من الأمراض النفسية وعلاجها حين حدوثها.
منذ ظهور الإسلام أعترفت الدولة الإسلامية بأن من واجب الدولة رعاية أفرادها المصابين بالعاهات العقلية والأمراض العصبية كالمجانين والبلهاء، وعلي ذلك أنشا المسلمون لهؤلاء المرضي "المجانين" بيمارستان سموها دور المجانين واعتنوابهم ،بُيحسن فيها معاملتهم بل وحاولوا علاجهم كسائر الأمراض الأخرى . إن البيمارستان عبارة عن مستشفيات لعلاج الأمراض علي مختلف أنواعها ،ولعلاج كافة الناس سواء كانوا رجالًا أو نساء، وقد تعددت أنواع البيمارستان بتنوع تخصصها، وكان من أنواعها تلك بيمارستان الأمراض العقلية أو دور المجانين ؛ تلك البيمارستان المتخصصة لإيواء ورعاية ومعالجة من يصاب بمرض في عقله وأعصابه .
وعلي المستوي الأجرائي كانت غرف المجانين موجودة في بعض المستشفيات العامة ؛ لكنها معزولة في غرف خاصة بمن يصابون بعاهات عقلية عن باقي قاعات المستشفى الخاصة بالأمراض الأخرى، وكانت تلك الغرف لها نوافذ محمية بقضبان من حديد ،ولهم أطباء متخصصون لعلاجهم جسميًا ونفسيًا بالعقاقير والموسيقي وطريقة التطيب بالوهم فإن جميع حالات الإيحاء لا تتم إلا من الشخص نفسه، ويختص دور الطبيب بإرشاد وتوجيه الشخص إلى علم الإيحاء، وكيف يصل إليه ويمارسه، ثم كيف يستفيد منه. و تلك التي كان لها الأثر الكبير في معالجة المصابين بالعلل النفسية ،
لعب المسلمون دورًا هامًا في تشخيص وعلاج الأمراض النفسية والأضطرابات العقلية، ومن أبرز هؤلاء الأطباء ابن سينا،الذي قام بمعالجة الكثير من المرضي النفسيين ، وقد وردت الكثير من القصص، مثل قصة الأمير الشاب من بني بويه الذي أصيب بمرض عصبي معررف؛ وهذا الشاب الأمير أمتنع عن الأكل وتوهم أنه صار بقرة، وصار يصرح ويُطالب بأن يذبح ويفرق لحمه علي الناس، فحمل إلي الطبيب الشهير "ابن سينا" وهب نحو الأمير حاملًا سكينًا وصاريصيح: "أين تلك البقرة التي تريدون ذبحها، فتقدم نحو الأمير وتحسس جسمه، ووضع السكين قرب رقبة المريض، ثم قال ابن سينا بصوت مرتفع : إن هذه البقرة التي تريدون ذبحها قاصدًا – الأمير الشاب – بقرة هزيلة ضعيفة أعلفوها أولًا حتي تسمن "،فصار الأمير يأكل وابن سينا يدس له الدواء في الغذاء ،فشفي المريض من مرضه.
وهو الأمر الذي اكتشفه باحثون إيطاليون بأن العلاج بالإيحاء كان له أثر إيجابي كبير على أدمغة بعض مرضى شلل الرعاش «باركنسون» بصورة لم تكن متوقعة، وأعطى باحثون من كلية طب جامعة تورين الإيطالية بقيادة الدكتور فابريزيو بانديتي عدداً من المرضى محلولاً ملحياً عادياً، وأخبروهم أنه أحد أدوية المرض، ثم راقبوا الخلايا العصبية في أدمغتهم فوجدوا أن استجابة الخلايا العصبية لذلك المحلول الملحي تماثل استجابتها للدواء الحقيقي. وقام الباحثون الإيطاليون الذين نشروا دراستهم في مجلة «نيتشر» ولعل من السبب وراء شفاء هؤلاء المرضى لا يعانون من ألم حقيقي بل هم فقط يتصورون ذلك وهذا يفسر زواله بعد الحقنة، لكن هذا غير صحيح.
الأمر الذي يؤكد سبق الإسلام والحضارة الإسلامية والعلماء المسلمين في كل المجالات وأبرزها العلاج النفسي.