بقلم دكتور / محمد عطية محمد هواش
مدرس بقسم الترميم – كلية الآثار – جامعة القاهرة
باحث دكتوراه في القانون الدولي الخاص
عناصر المقال
- مفهوم حجية الامر المقضي به
- اثر حجية الامر المقضي به علي استرداد الاثار ( حالة حجر رشيد )
مفهوم حجية الامر المقضي به
المقصود بحجيه الامر المقضى ان الحكم القضائى يكون له حجيه على مافصل فيه من الحقوق فالأحكام الصادره من محكمه اول درجه لها حجيتها ولكنها حجيه مؤقته تقف بمجرد الطعن عليه بالإستئناف وتظل موقوفه إلى أن يقضى فى الإستئناف فإذا تأيد الحكم عادت اليه حجيته وإذا قضى بإلغاء الحكم زالت عنه تلك الحجيه .
وتسمي الحجية Res judicata وتعني "منع المطالبة" حيث انه لا يمكن للمدعي الخاسر إعادة مقاضاة المدعى عليه الفائز على نفس سبب الدعوى .
وايضا لا يمكن للمدعي الفائز إعادة مقاضاة المدعى عليه الخاسر لنفس سبب الدعوى بغية الحصول علي المزيد من المكاسب وتحميل الخصم الخاسر اضرار وخسائر اكثر .
ويحوز الحكم الصادر الحجيه بحيث اذا رفع احد الخصوم نفس الدعوى التى فصل فيها مره اخرى تعين عدم قبولها وذلك لسابقه صدور حكم فيها بين الخصوم ومن اثر حجيه الاحكام هو عدم جواز إعاده نظر الدعوى ثانيه بعد الفصل فيها وهو يقيد القاضى الذى طرحت عليه الدعوى من جديد ،كما يقيد الخصوم فيها من إعاده رفع الدعوى مره اخرى. اذ أن المقصود بالحجيه هنا "حجيه الامر المقضى "أن الحكم يتمتع بنوع من الحرمه بمقتضاها تمتنع مناقشه ماحكم به فى دعوى جديده.
اما عن الشروط الواجب توافرها فى الحكم حتى يحوز حجيه الامر المقضى ان يكون يكون الحكم قطعيا او باتا وان تتوافر فيه الشروط التاليه:-
- اتحاد الخصوم
- اتحاد المحل
- اتحاد السبب
ويقصد بأتحاد الخصوم:هو ان الحكم يعتبر حجه على الخصوم الحقيقيين وخلفائهم سواء كانت الخلافه عامه او خاصه ويكون حجه على الدائنين ايضا،ولايكون حجه بالنسبه للغير
ويقصد بإتحاد المحل : ان تكون الدعوى الجديده هى ذات الدعوى المقضى فيها بالحكم المدفوع بحجيته ،ووحده المحل تبقى قائمه ايا كانت التغيرات التى تصيب هذا المحل .
اما اتحاد السبب:ويقصد بها اتحاد الاساس القانونى الذى تبنى عليه الدعوى فالسبب هو المصدر الذى يتولد عنه موضوع الدعوى .
بالاضافه الى توافر الشروط السابقه فإنه يجب ان تكون الدعوى المقضى فيها بالحجيه ان تكون المساله قد حسمت وتناقش الخصوم فيها وظهرت حقيقتها بينهما وتناضل فيها الخصوم ، وكلا منهم قدم اسانيده وطلباته واتضحت الحقيقه بحكم نهائى بات .
اما عن تعلق حجيه الامر المقضى بالنظام العام فهى مقرره للصالح العام الذى يدعو الى استقرار الحمايه القضائيه التى يمنحها القضاء بمعنى ان الحجيه تتعلق بالنظام العام ويجب على القضاء احترام هذه الحجيه ولو لم يحترمها الخصوم ولولم يدفعو بها .
اثر حجية الامر المقضي به علي استرداد الاثار ( حالة حجر رشيد )
سبق وان تناولنا تحليل الوضع القانوني لخروج حجر رشيد من مصر ومدي أحقية مصر في استرداده في مقال منشور في كاسل الحضارة والتراث بتاريخ 4 /9 /2022 والذي انتهينا الي ان
موقف انجلترا من حيازتها وامتلاكها لحجر رشيد هو موقف سليم قانونا وعرفا علي المستوي الدولي . وان كان هناك سبيل لاسترداد حجر رشيد لن يكون بالطرق القانونية كدعوي الاسترداد بل يمكن ان يكون بالطرق الدبلوماسية حينما تكون الظروف الدولية ملائمة لذلك .
وهنا لو افترضنا انه تم رفع دعوي استرداد طبقا لاتفاقية اليوندورا 1995 الي المحكمة الانجليزية صاحبة الاختصاص حيث نادت اصوات كثيرة بان التفنيد القانوني لموقف مصر القانوني بشأن حجر رشيد والذي تم نشره في المقال السابق الاشارة اليه غير سليم , حيث انكر الكثير التفنيد القانوني الذي قمنا به مستندا الي اسانيده القانونية. ومنهم من رأي انه من قبيل العبث , وان هذا الرأي غير صحيح ولم يؤسس علي اساس . فلنفترض رفع دعوي للاسترداد نزولا علي رأي من رأي عدم صواب التفنيد القانوني لموقف مصر السابق نشره في المقال السابق الاشارة اليه .
وبالتالي في حالة رفع دعوي الاسترداد فلن يخرج الحكم في الدعوي عن امرين الاول احقية مصر بالاسترداد وهنا يكن تحقق هدف نبيل بإسترجاع اثر هام كحجر رشيد. اما الفرض الثاني هو خسارة مصر الدعوي والحكم بعدم احقية مصر في استرداده .
هنا ستأتي فكرة حجية الامر المقضي به لتقضي علي اي امل في استرداد حجر رشيد حيث انه لن تستطيع مصر المطالبة به مجددا مع الاخذ في الاعتبار ان الحكم القضائي عنوان الحقيقة وبناء عليه فإن الطرق الاخري التي يمكن ولوجها لاسترداد الحجر مثل المناداه بحقوق المصريين الثقافية وحقوق الشعوب الاصيلة في تراثها ودحض الابادة الثقافية ومنع وجودها ستصبح عديمة الجدوي في حالة خسارة دعوي الاسترداد وتمتع الحكم الصادر بحجية الامر المقضي به .
لانه في هذه الحالة سنجد ان الحكم صدر مؤسسا علي اساس اثبات الحق والذي قد بينا ان موقف مصر ليس بالقوي مقارنة بموقف الانجليز بسبب خروج الحجر بموافقة حرة من الدولة العثمانية وهي الدولة السلف لمصر في اتفاق خروج الفرنسيين من مصر وحصول الانجليز علي حجر رشيد . وبالتالي فان دعوي الاسترداد ذاتها سوف تتيح للانجليز التمسك اكثر بوجود الحجر في المتحف البريطاني . وذلك بخلق اسس قانونية وقضائية جديدة تؤكد احقيتها في الحجر طبقا لحجية الامر المقضي به في حالة خسارة دعوي الاسترداد .
خلاصة القول
ان استقراء السناريوهات المتوقع حدوثها لو تمت المطالبة عن طريق دعوي الاسترداد يجب ان نفكر في السناريو الاكثر سوءا حتي نقف علي ارض صلبة ونسلك المسالك الاخري المتاحة مثل ( الطرق الدبلوماسية – المطالبة باحترام حقوق المصري الثقافية – المطالبة بوقف الاعتداء علي الحقوق الثقافية للمصريين حتي لانصل الي ابادة ثقافية ) التي ان لم نوفق فيها ونسترد حجر رشيد لانكون اعطينا الجانب النجليزي سند قانوني وقضائي اضافي يعزز موقفه ضدنا بطريق دعوي الاسترداد .
وهنا يمكن ان تكون دعوي الاسترداد ذات جدوي ان اسست علي منع الابادة الثقافية للمصرين واحترام حقوق المصريين الثقافية بدلا من تأسيسها علي حق مصر القانوني باسترداد الحجر لانه موقف ضعيف كما سبق ان بيينا في المقال السابق الاشارة اليه بتاريخ 4 /9 /2022
وفي النهاية اهيب بمن يتفق معي في الرأي وبمن يختلف معي ايضا ان نكون شموليين في تفكيرنا بمقدرات الوطن وتوقع السناريوهات الممكنة الحدوث في حالة المطالبة باسترداد الاثار خاصة الاسوأ منها .
وهنا اود أن اثمن واشير بالبنان الي دور حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة دكتور عبد الرحيم ريحان والتي تبنتها مؤسسة مكاني للتنمية المجتمعية والمهارية والتي جعلت من اهدافها تبني ملف استرداد الاثار وتبني الامر بموضوعية شديدة رعاية لصالح الدولة المصرية والحفاظ علي تراثها الذي يعتبر مقوم من مقومات الشخصية المصرية . ومن اساليب الحملة اتاحة تناول الموضوعات للمختصين والمعنيين بها اضافة الي دحض الاراء ومراجعة ما ينشر من غير المختصين لتفنيده حتي لا يشكل معرفة عامة مغلوطة بقضايا خطيرة وماسة بمصلحة الامة مثل قضايا تراثها لان الافكار المغلوطة حتي ان كان اصحابها يحسنون النية الا انها يمكن ان تؤدي بنا الي فقد اثارنا للابد وخسارة كل سبيل لاستردادها وبذلك تمثل هذه الفئة خطرا جثيما علي مقدرات الوطن, وانادي واكرر ندائي في مقالي هذا علي ضرورة مراجعة ما يصدره غير المختصين وان تاخذ الحملة علي عاتقها هذا العبء الكبير .