بقلم/ مي شريف العناني
مفتشة آثار الدقهلية - باحثة دكتوراه
لعلك نتناقش عزيزي القارئ من عنوان هذا المقال، ولعلك تتساءل هل لمصر فم؟
نعم، ففم مصر هو "لسان مصر"، أو "كلام مصر"، أو "كلام أهل مصر"، أو "كلام الإله"، وهي اللغة التي تحدث بها الشعب المصري قديمًا، إنها "اللغة المصرية القديمة"، والتي كتبت بأربعة خطوط، هم الخط الهيروغليفي، والخط الهيراطيقي، والخط الديموطيقي، والخط القبطي.
وقبل الحديث عن الخطوط الأربعة للغة المصرية القديمة دعني أوضح لك أولًا عزيزي القارئ كيف كانت حياة المصري القديم قبل معرفة الكتابة؟ وكيف قامت الحضارة المصرية القديمة؟
قامت الحضارة المصرية القديمة على ضفاف نهر النيل، ففى البداية كان يعيش الإنسان فوق الهضاب متنقلًا من مكان لمكان حتى أستقر في الأماكن القريبة من نهر النيل، حيث أعتمد في غذائه على الصيد، وجمع النباتات، وأعتمد في لباسه على ورق الشجر، وعرف الزراعة، وأستأنس الحيوان، وأكتشف النار عن طريق إحتكاك حجرين معًا، وأستخدم النار في الطهي، والتدفئة، وإبعاد الحيوانات المفترسة، وعُرفت هذه الفترة بعصور ما قبل التاريخ، وهي الفترة التي لم يعرف فيها الإنسان الكتابة، ولكن ترك لنا آثار عرفنا من خلالها حياته في تلك الفترة. وفي عام ٣٢٠٠ ق.م توصل المصري القديم للكتابة، وبدأ يدون أعماله التي يقوم بها، فتوصل للغة المصرية القديمة، والتي بدأت بالخط الهيروغليفي، حيث كانت الطبيعة هي العامل الرئيسي المؤثر عليه في الكتابة، حيث اتخذ رموز من الطبيعة كالنباتات، والحيوانات وأجزاء من جسم الإنسان، مثل فم الإنسان تنطق "ر"، والبومه تنطق "م"، وطائر العقاب ينطق "أ".
ولعلك تتساءل عزيزي القارئ عن كيفية التوصل للغة المصرية القديمة؟
بداية معرفة اللغة المصرية القديمة كان من مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، وذلك عام ١٧٩٩م أثناء الحملة الفرنسية على مصر، وذلك عندما اكتشف شامبليون حجر أسود مصنوع من البازلت، وذلك أثناء القيام بحفر خندق حول قلعة سان جوليان، ويبلغ ارتفاع هذا الحجر ١١٣سم، وعرضه ٧٥سم، وأُكتشف أن هذا الحجر عليه كتابات مكتوبة لنص واحد بثلاثة خطوط وهم الهيروغليفي، والديموطيقي، واليوناني، واستطاع شامبليون أن يقوم بعمل تقارب بين المنطوق الصوتي للغة اليونانية مع الخطوط الأخرى واستطاع قراءة النص من على الحجر، والذي يتضمن مرسومًا من كهنة منف عام ١٩٦ق.م حيث يشكرون فيه الملك بطلميوس الخامس لقيامه بوقف الأوقاف على المعابد وإعفاء الكهنة من بعض الإلتزامات. وبالتالي التوصل لرموز اللغة المصرية القديمة.
والنسخة الأصلية لحجر رشيد محفوظة حاليًا بالمتحف البريطاني منذ عام ١٨٠٢م وذلك بموجب إتفاقية أُبرمت بين إنجلترا وفرنسا تسلمت بمقتضاها إنجلترا الحجر مع آثار أخرى، أما النسخة الحالية لحجر رشيد الموجودة بالمتحف المصري بميدان التحرير ما هي إلا نسخة مُقلدة من الحجر الأصلي.
وسوف أتحدث لك عزيزي القارئ عن الخطوط الأربعة للغة المصرية القديمة، واستخداماتهم.
أولًا: الخط الهيروغليفي
هو أقدم خطوط اللغة المصرية القديمة، وهو خط العلامات الكاملة، وخط الكتابة المقدسة، وذلك لأنه نُقش على جدران الأماكن المقدسة كالمعابد والمقابر، كما كتب على التماثيل واللوحات وغيرهما.
ثانيًا: الخط الهيراطيقي
أشتقت كلمة هيراطيقي من الكلمة اليونانية "هيراتيكوس"، والتي تعني "كهنوتي"، وذلك لأن الكهنة استخدموا هذا الخط في كتابة النصوص الدينية في العصر المتأخر، وهو خط مُبسط ومختزل عن الخط الهيروغليفي، واستخدم في كتابتة قلم البوص، وكُتب على مواد كتابة كالبردي والأوستراكا والجلد والخشب والقماش.
ثالثًا: الخط الديموطيقي
أشتقت كلمة ديموطيقي من الكلمة اليونانية "ديموس"، والنسبة منها "ديموتيكوس" أي "شعبي"، فهو خط المعاملات اليومية، وكتب على مواد كتابة كالبردي والأوستراكا.
رابعًا: الخط القبطي
هو المرحلة الأخيرة من مراحل اللغة المصرية القديمة، واشتقت كلمة قبطي من الكلمة اليونانية "أيجوبتي" أي "مصري"، ويتكون من الأبجدية اليونانية مضافًا لها سبع علامات من الديموطيقي، وتعددت لهجاته ما بين قبطي صعيدي إلى بحيري وفيومي وأخميمي.
ومن المدهش ان اللغة المصرية القديمة مازالت تستخدم حاليًا، فجميعنا ينطق بها.