د.عبير المعداوى

د.عبير المعداوى

رئيس مجلس إدارة مجموعة كاسل جورنال ورئيس التحرير

العاشر من رمضان معجزة عسكرية و إلاهية و تاريخية

كتبت : - دينا سمير محمد العزيرى
 
 
حفَل شهر رمضان بأحداثٍ مهمَّة في التاريخ، تدلُّ على أنَّ شهررمضان كان على مدى التاريخ شهرَ انتصاراتٍ وجهاد، و شهر رمضان المبارك هو التاسع من شهور السنة الهجرية وهو أحد الاشهر الحرم: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم ورجب وهي الأشهر التي يمنع فيها القتال والحرب بين العرب. ومن أهم وأبرز الأحداث في شهر رمضان المبارك هو نزول القرآن الكريم :

"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" صدق اللـه العظيم (سورة البقرة، 185) وكان ذلك في ليلة القدر في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان، وهي أفضل الليالي عند المسلمين،

"إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر" صدق اللـه العظيم ، والصوم فريضة على كل مسلم "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (سورة البقرة 183).

وتعد الأحداث التاريخية والمصيرية التى شهدها شهر رمضان متعددة ،ولها وقع فى نفوس المسلمين والعرب عامة والمصريين خاصة ،ويعد أهمَّ الأحداث التى حدثت بشهر رمضان قاطبةً، هو "نزول القرآن الكريم على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في غار حِراء".

وفي هذه الأيام المباركة يسترجع المصريون والعرب ذكرى غالية على قلوبهم ،وهي الانتصار المجيد الذي تحقق في العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر عام 1973م ، والذي سطر فيه الجيش المصري واحدة مناروع صفحات النصر في تاريخ العسكرية المصرية ، والعربية ،كما سطره التاريخ بحروف من نور،ففي يوم العاشر من شهر رمضان المعظم سنة 1393ھ الموافق السادس من أكتوبر 1973م كانت معركة "النصر والكرامة" التي انتصر فيها الجيش المصري على العدو واسترد جزء غالي من أرض مصر ، وهى سيناء الحبيبة.ورغم مرور ست وأربعين عاما على هذا الانتصار الكبير ، إلا أنه مازال يدرس في المؤسسات العسكرية في العالم ،لماشهده من براعة في القتال من الجندى المصرى ومن مهارات مباغتة عجزت إسرائيل عن مواجهتها وانهارت على إثرها أسطورة القوة العسكرية الاسرائيلية التي لا تقهر.

كما أن هناك أحداث عظيمة شهدتها أيام هذا الشهر الكريم ،وعلى سبيل المثال أنه في رمضان مِن السَّنة الثانية للهجرة وقعتْ غزوة بدر الكبرى، وهي مِن أوائل وأهم الانتصارات الإسلامية، التي كان لها أكبرُ الأثر في تثبيت دعائمِ الإسلام.

كما انه في رمضان مِن السَّنة الثامنة للهجرة كان الفتْح الكبير - فتْح مكة.وفي رمضان من السَّنة التاسِعة للهجرة حضَر إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفْدُ ثقيف لمبايعته.وفي رمضان سنة 15هـ، كانتْ موقعة القادسية التي انتصَر فيها المسلمون على أكبرِ الإمبراطوريات، وتمَّ القضاء على المجوس بفارس.وفى شهر رمضانلسنة 53هـ، فتَح المسلمون جزيرة رودس.

وفي رمضان سنة 64هـ، بايَع الناسُ بمكة المكرمة عبدَالله بن الزبير - رضي الله عنهما بالخِلافة.
كما انه في رمضانَ سنة 91هـ، نزل المسلمون إلى الشاطِئ الجنوبي لبلاد الأندلس، وغزَوا بعض الثغور.
وفي رمضان سنة 92هـ، فتَح المسلمون الأندلس بقيادة طارِق بن زياد رحمه الله.
و في رمضان سنة 129هـ، ظهرتِ الدعوة لبني العبَّاس في خراسان.
في رمضان سنة 132هـ، سقطتِ الدولة الأُمويَّة، وقامتِ الدولة العباسية.
وفى رمضان سنة 217هـ، أَسَّس العرب مدينة (كانديا) بجزيرة كريت.
كما انه في رمضان سنة 254هـ، انفصلتْ مصر عن الدولة العباسية بقيادة أحمد بن طولون.
و في رمضان سنة 361هـ، تَمَّ بناء الجامع الأزْهر بالقاهرة.

وفي رمضان سنة 500هـ، حاصر السُّلطان محمَّد قلعة الباطنية في أصفهان.

في رمضان سنة 584هـ، بدأ صلاحُ الدِّين الأيوبي هجومَه على الصليبيِّين من سوريا، قاصدًا مدينةَ (صفد) بفلسطين، وقد مكَّنه الله - تعالى - مِن الاستيلاء عليها.

وفي رمضان سنة 588هـ، رحَل السلطان صلاحُ الدين بن أيوب إلى بيْت المقْدِس، وقام بتحصينها، وتشييد الأسوار حولها .

و في رمضان سنة 658هـ، هَزَم الجيشُ المصري حشودَ التتار، وأوقع بجحافلهم هزيمةً بالغة، وذلك بقيادة الظاهِر بيبرس.كما انه في رمضان سنة 1241هـ، استولى إبراهيم باشا على مدينة ميسولونجي من بلاد اليونان.

وفي رمضان سنة 1393هـ، انتصَر المسلمون على إسرائيل في أوَّل مواجهة حقيقيَّة بينهما.
وهكذا فنحن نلاحظ مدى ارتبط شهر رمضان بالجهاد بشكل كبير، كما أن آيات القرأن الكريم تحضُّ على الجهاد ، والعلاقة واضحة بينها وبين آيات الصيام؛ فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس، وإعداد للجسد، وإعداد للأمة كلها.. ويبدو العلاقة بين الصيام والجهاد وثيقة جدًّا؛ فالتاريخ الإسلامي يؤكد هذا الارتباط.

وجدير بالذكر أن القوات المصرية قد أوقعت خسائر كبيرة في تكوين القوة الجوية الاسرائيلية خلال هذه الحرب، كما حطمت اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، في مرتفعات الجولان و سيناء، و اجبرت اسرائيل على التخلي عن العديد من مطالبها و اهدافها مع سورية و مصر، كما تم استرداد قناة سيناء و جزء من سيناء في مصر(واستكملت بعد ذلك الى أن تم استردادها بالكامل)، و القنيطرةفي سورية.
وقد افتتحت مصر حرب 1973م بضربة جوية عبر مطار بلبيس الجوي الحربي ،وتشكلت من نحو 222 طائرة مقاتلة ،عبرت قناة السويسوخط الكشف الراداري للجيش الإسرائيلي مجتمعة في وقت واحد في تمام الساعة الثانية بعد الظهر على ارتفاع منخفض للغاية. وكان الطيارون المصريون يفجرون طائراتهم في الأهداف الهامة والمستعصية لضمان تدميرها ومنهم على سبيل المثال محمد صبحى الشيخ و طلال سعدالله وعاطف السادات شقيق الرئيس الراحل أنور السادات وغيرهم.

وقد نجحت مصر وسورية في تحقيق نصر كبير لهما، إذ تم اختراق خط بارليف "الحصين"، خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة وأوقعت القوات المصرية خسائر كبيرة في القوة الجوية الإسرائيلية،ومنعت القوات الإسرائلية من استخدام انابيب النابالم بخطة مدهشة كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في مرتفعات الجولان و سيناء، وأجبرت إسرائيل على التخلي عن العديد من أهدافها مع سورية ومصر، كما تم استرداد قناة السويسوجزء من سيناء في مصر، ومدينة القنطرةفي سورية. ولولا التدخل الأمريكي المباشر في المعارك على الجبهة المصرية بجسر جوي لإنقاذ الجيش الإسرائيلي بدءا من اليوم الرابع للقتال، لمني الجيش الإسرائيلي بهزيمة ساحقة على أيدي الجيش المصري.

وقدأثبتت هذه الحرب للعالم أجمع قدرة المصريين علي إنجاز عمل عسكري جسور ، يستند إلي شجاعة القرار ، ودقة الإعداد والتخطيط ، وبسالة الأداء والتنفيذ ، مما أكد للجميع أن التفوق العسكري ليس حكرا علي طرف دون طرف ، وأن براعة التخطيط العسكري المصري ، وبسالة المقاتل المصري ، وإيمانه بشرف الأهداف التي يقاتل من أجلها كانت أقوي وأكبر من الفارق في القدرة والتقدم في المعدات والعتاد ، كما ضرب الشعب المصري أروع صور البطولة حينما تجاوز الصراعات الداخلية ، ووقف إلي جوار قواته المسلحة وقفة رجل واحد ، يشد أزرها ، ويدعم قدراتها ، ويضع مطلب تحرير الأرض فوق كل المطالب والأولويات

وقد حققت حرب أكتوبر مكاسب كبيرة، فالنظرية القائلة بأن هذا الكيان الإسرائيلي هو قوة لا يمكن قهرها، وقفت عائقاً أمام العرب في الكثير من سنوات النزاع التي تبعت حرب 1948، لتجعلهم يسلّموا بهذه النظرية وخاصة بعد نكسة الخامس من يونيو 1967م، التي احتلت فيها إسرائيل في غضون أيام قليلة أراض لثلاثة دول عربية، فاحتلت آنذاك هضبة الجولان السورية، وصحراء سيناء المصرية، والقدس والضفة الغربية، ولذلك شكلت حرب أكتوبر التي أتت بعد ست سنوات من نكسة يونيو تحولاً استراتيجياً هاماً في إدارة دفّة الصراع وفي قدرة العرب على التحول إلى موقع المواجهة ، وعلى قلب الأدوار من موقع المتلقي الدائم لضربات واعتداءات إسرائيل المتكررة، إلى أصحاب البادرة في الضرب وإعلان الحرب على هذا الكيان الصهيونى.

من أبرز نتائج الانتصار الكبير في أكتوبر أيضا استعادة ارض سيناء الحبيبة التى عمل الرئيس مبارك على إعادة تعميرها وبدء مشروعات ربطها بوادي النيل والعمل علي تحويلها إلي منطقة إستراتيجية متكاملة تمثل درع مصر الشرقية‏،ومن أجل ذلك تمت اعادة تقسيم سيناء اداريا الي محافظتين‏‏، بعد أن كانت محافظة واحدة‏‏ فقسمت الي محافظة شمال سيناء ومحافظة جنوبسيناء‏ فيما انضمت شريحة من سيناء شرق قناة السويسبعرض‏20‏ كيلو مترا إلي محافظات القناة الثلاث‏:‏ بورسعيد والإسماعيليةوالسويس‏‏، تأكيدا لارتباط سيناء بوادي النيل‏، حيث لم تعد القناة تمثل حاجزا إداريا يعزل شبه جزيرة سيناء عن وادي النيل.‏

وعلى ذلك يكون شهر رمضان قد شهد أكبر الانتصارات المصرية العربية حيث ، تمكن المصريون من عبور قناة السويس، أكبر مانع مائى في العالم ، وتحطيم دفاعات خط بارليف الحصينة وهى أمور تبدو معجزات بحسب التوصيف العسكرى لذلك الوقت ، وسوف يظل يوم العاشر من رمضان واحدا من أعظم أيام مصر لأنه صحح أوضاع النكسة وعاد العلم المصري الحبيب يرفرف علي الضفة الشرقية للقناة ..واقيمت الجسور لتنقل الدبابات والمعدات.. بعد ضربة جوية رائعة حيث حطمت هذه الضربة غرور إسرائيل وسلاحها الجوي الذي لا يقهر..

وقد أدت سيطرة نسور مصر البواسل على سماء المعركة ونجاح الجنود فى تحطيم خط بارليف الى النصر الذى جعل العالم يتعرف علي المقاتل المصري الحقيقي.. الذي ظُلم في عام 1967م.
وكانت إسرائيل قد أمضت السنوات الست التي تلت حرب يونيو في تحصين مراكزها في الجولان وسيناء، وانفقت مبالغ ضخمة لدعم سلسلة من التحصينات على مواقعها في قناة السويس، فيما عرف بخط بارليف.

إن حرب أكتوبر كانت حربًا أرادها الشعب العربى ، وفرضتها الجماهير التى ظلت من العام 1968 م وحتى العام 1973م تطالب فى الشوارع والجامعات بتحرير الأراضى المحتلة، وكان حربا أرادتها القيادات العسكرية فى كل من مصر وسوريا دفاعا عن الكرامة الوطنية وشرف العسكرية العربية بعد هزيمة يونيو 1967 م، وقد وافق يوم 6كتوبر فى ذلك العام يوم "كيبور" و هو احد أعياد إسرائيل وهو عيد الغفران ، وقد اعلنت مصر وسوريا الحرب على إسرائيل فى هذا اليوم لأسباب يذكرها السيد اللواء محمد عبد المنعم الجمسى رئيس هيئة العمليات للجيش المصرى خلال الحرب فى مذكراته ويقول ( وضعنا فى هيئة العمليات دراسة على ضوء الموقف العسكرى للعدو وقواتنا ، وفكرة العملية الهجومية المخططة ، والمواصفات الفنية لقناة السويسمن حيث المد والجزر ....

درسنا كل شهور السنة لإختيار افضل الشهور فى السنة لاقتحام القناة على ضوء حالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه واشتملت الدراسة أيضا جميع العطلات الرسمية فى إسرائيل بخلاف يوم السبت وهو يوم أجازتهم الأسبوعية، حيث تكون القوات المعادية أقل استعداد للحرب.

وجدنا أن لديهم ثمانية أعياد منها ثلاث أعياد فى شهر أكتوبر وهم يوم كيبور ، عيد المظلات ، عيد التوارة . وكان يهمنا فى هذا الموضوع معرفة تأثير كل عطلة على اجراءات التعبئة فى إسرائيل ......، ولإسرائيل وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطى بوسائل غير علنية ووسائل علنية تكون بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون....

ووجدنا أن يوم كيبور هو اليوم الوحيد خلال العام الذى تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد اى ان استدعاء قوات الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة ، وبالتالى يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطى....

وكان يوم السبت عيد الغفران 6 أكتوبر 1973 وهو ايضا العاشر من رمضان أحد الايام المناسبة وهو الذى وقع عليه الاختيار".

بدأ هذا التحديد من منطقة برج العرب بالأسكندرية فى شهر يوليو 1973م، حيث قام الرئيس السادات بالاجتماع مع الرئيس حافظ الاسد رئيس سوريا خلال رحلة سرية له الى مصر ،وفى هذا الاجتماع الذى استمر حوالى أربع ساعات صدر قرار جمهورى مصرى سورى بتشكيل المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية السورية برئاسة المشير أحمد إسماعيل الذى كان يحضر هذا الاجتماع .

واجتمع هذا المجلس سرًا فى الاسكندرية فى شهر أغسطس  قرر المجلس تحديد موعد تقريبى للمعركة خلال شهرين من هذا التاريخ ،وقد قام الرئيس السادات والرئيس حافظ الاسد فى حضرة المشير أحمد إسماعيل فى أوائل سبتمبر من تحديد يوم 6 اكتوبر الساعة الثانية ظهرا علي انها ساعة الصفر وتم إبلاغ بعض القيادات فى القوات المسلحة الذين لهم اتصالا مباشرا بالحرب.

وهكذا كان يوم العاشر من رمضان المبارك حقيقة يوم إسترداد الأرض والكرامة ليس لمصر فقط بل للأمة العربية بأكملها.

كتب الدراسة  - دينا سمير محمد العزيرى
مدرس مساعد بالمعهد العالي للسياحة والفنادق
وترميم الآثار بأبى قير الإسكندرية- منسق كاسل الحضارة والتراث

نهر النيل في رحلة بيرو طافور

كتب ؛ حماده عبد الحفيظ الرخ– باحث دكتوراه بآداب الزقازيق
نهر النيل في رحلة بيرو طافور

استغل بيرو طافور التوقف الحربي المؤقت بين مملكة غرناطة وقشتالة وبدأ رحلته إلى جنوب وشرق أوروبا إضافة إلى مصر وبلاد الشام مابين سنوات 1435 -1439م ، حيث كان طافور الذي من الراجح أنه قد ولد في أشبيلية سنة 1410م قد انخرط في سلك الخدمة العسكرية في "جيان" تحت لواء "لويز دي قزمان" وحارب معه فيما بين سنوات 1431-1432م.

قضى طافور هذه السنوات رحّالة وباحثاً وحاجاً وتاجراً. غير أن علاقته المميزة بملك قشتالة الذي كان أثيراً عنده، ناهيك عن وضعه في السلك العسكري إضافة لثقافته الواسعة وسرعة بديهته تجعلنا لا نستبعد أن يكون جاسوساً أيضاً واستخدمت رحلته في وصف الداخل المصري كتقرير مهم للكشف عن مصادر قوة المماليك ومنها تجارة المحيط الهنديوالبحر الأحمر وشرق المتوسط.

على أي حال زار طافور مصر وقت سلطنة الأشرف برسباي(825-841هـ/1421-1437م)، وأعجب بنهر النيل ووضح ذلك في قوله: "وماء النيل أحسن ماء في الدنيا وكأنه ماء الجنة..."

وقدصادف وصوله إلى دمياط وقت دخول شهر سبتمبر(أيلول) وهو الشهر الثاني من الموسم السنوي لفيضان نهر النيل الذي يحتفل المصريون بوفاءه في منتصف أغسطس (آب) من كل عام، وقد رأى المياه تعلو وتفيض لتغطي القطر بأكمله، وأول ما لاحظه مع ارتفاع الماء في النهر هودخول كميات ضخمة من السمك إلى دمياط، ويبدو أن لكثرة الأسماك فكانت تطفو على سطح الماء الفائض في البقاع خارج النهر، ولقد استفاد سكان البيوت المطلة على النهر من هذا بسبب وجود فتحات منزلية تشرف على النهر، وبالرغم من أن الهدف الرئيس من وجود تلك الفتحات هو التغلب على حرارة فصل الصيف الشديدة، غير أن ذلك لم يمنع من الإفادة من دخول طرح البحر من الأسماك إلى داخل المنازل وقت الفيضان، وهو مما يسهل من عملية الصيد.


وفي نهر النيل كان وجود التماسيح بطول النهر أمراً معتاداً، ولاحظ طافور أن خطورة هذه التماسيح تكمن في وجودها داخل النهر، على عكس الحال عندما تزحف خارج النهر لتنام تحت أشعة الشمس، ومن ثم يستطيع الصائدون النيل منها سواء بقتلها أو الصيد وإبقائها على قيد الحياة بغرض جمع الصدقات عليها، أما وجود التماسيح في الماء فيجعلها في غاية الخطورة فلا يستطيع إنسان ولا حيوان النجاة منها إذا ما وقع فريسة لها، يستثنى من ذلك حيوان الجاموس لرهبة التماسيح منها؛ فقد رأى طافور فقراء الناس يعمدون إلى امتطاء ظهور الجاموس وعبور النهر آمنين من كل خطر، عجزاً منهم على استئجار القوارب.

ولم تقف عملية الصيد على الأسماك والتماسيح فحسب، فوجد بالنهر ضروباً أخرى من الحيوانات وصفها طافور أنها في حجم الجياد، وأنها تخرج عن النهر طلباً للكلأ، فيحفر لها الناس الحفر ويغطونها فتسقط فيها ومن ثم تقتل رغم أن هذه الحيوانات لاتضر أحداً داخل النهر أو خارجه، ويبدو أن صيد هذه الحيوانات كان بغرض النفع من جلودها. كذلك تعلم الناس صيد طائر السمان بواسطة الكلاب.

على كل حال مضى طافور مغادراً دمياط قاصداً القاهرة، وذكر طافور أنه اضطر لتغيير السفينة التي جاء على ظهرها لعدم قدرتها على السير في النهر، وواقع الأمر أن دولة سلاطين المماليك(648-923هـ /1250 - 1517م) كانت لتمنع السفن الأجنبية من الدخول إلى نهر النيل سواء من فرع دمياط أو من خلال فرع رشيد، وهو الأمر الذي يتمم سياسة الدولة التي تقضيبمنع دخول الأجانب دون تصريح أو التجول داخل مدن وبلدان المعمور المصري دون مرافق، وفي نفس السياق لم يكن مسموح للسفن الأجنبية المرور إلى البحر الأحمر، وفي البحر المتوسط أيضاً كان للسفن الأجنبية ميناءً محدداً وليس لهم الحق في دخول غيره.

وينقل لنا طافور صورة واضحة عن الملاحة في نهر النيل وشكل سفن النقل النهري حينها، فمن حيث الطول قاربت هذه السفن من طول الأغربة الحربية، وهي مجهزة بالحجرات بطول السفينة على نحو يسمح بالإقامة فيها، وللسفن صنادل منبسطة لتتمكن السفينة من السير في المياة الضحلة، ورغم سيرها بالأشرعة والمجاديف كان لابد لهذه السفن من السير بعيداً عن التيار المائي وقت الفيضان، ولاحظ طافور وجود الطبول على ظهورها لإبعاد التماسيح عن طريقها، ومع ذلك لا يجرؤ من على ظهر السفن على أخذ الماء من النهر باليد، فكان يؤخذ الماء بوعاء مربوط برشاء طويل احترازاً من افتراس التماسيح.

وعند القاهرة انتهت رحلة طافور في نهر النيل ليقيم بعدها في القاهرة بعض الوقت قبل أن يأذن له السلطان برسباي باستكمال رحلته إلى سانت كاترين.


التراث يكشف أهم الصفات الأخلاقية عند المصريين القدماء ،الصدق

كتب ؛ أ.  د. حسين دقيل (باحث أثري)

تمتع المصريين بالعديد من الصفات الأخلاقية ، لكن أهم ما تميز به المصري القديم صفة من أروع سمات الأخلاق ألا و هي (  الصدق)

لم يكن المصريون القدماء أصحاب حضارة مادية أبهرت العالم؛ وفقط، بل كانوا أيضًا أصحاب نبوغ أدبي، ورقي معنوي؛ وقد تمثّل ذلك في القيم والأخلاق التي ظلت حضارتهم المادية شاهدة عليها.
وآن لنا أن نبين لكل محب ومقدر لتلك الحضارة؛ أن المصريين القدماء قد تخلقوا بالأخلاق الحميدة، والتزموا بها ودعوا أبناءهم وذويهم للتحلي بها؛ خاصة أنها قد ارتبطت عندهم بالدين؛ فالمصري -كانولايزال -متدينًا بطبعه، ولذا فإننا نجده قرن بين التزامه بتلك الأخلاق وطاعته لمعبوده.

ولا يزال هذا التراث العظيم يزين جدران المعابد والمقابر المصرية القديمة حتى اللحظة، بل وانتشرت تعاليمه وحكمه أيضًا على لفائف البردي التي غزت متاحف العالم غربًا وشرقًا على حد سواء.
ونحن في حديثنا عن أخلاق المصريين القدماء؛ سنحاول أن نكشف الستار ونزيل الحُجب عن تلك القيم التي تتشابه في معظمها مع تعاليم الديانات السماوية السمحة، والتي لا تتنافى مع القيم والأعراف المجتمعية الحالية، علَنا نخرج من ذلك كله بمعرفة حقيقية للحضارة المصرية القديمة التي شُوهت عند البعض.

الصدق:

ونبدأ بفضيلةٍ ما زلنا في أمس الحاجة إليها والتمسك بمفرداتها؛ ألا وهي فضيلة الصدق، فالمصريون القدماء تحلوا بالصدق؛ ودعوا غيرهم للتخلق بها، وارتبط الصدق عندهم بالعقيدة، فقد ذكروا أن معبود الشمس رع دعاهم قائلًا:قل الصدق وافعل ما يقتضينه فهو العظيم القوى.

وها هو "بتاح حتب" -أحد أهم حكمائهم -ينصح ابنه قائلًا:

"احرص على الصدق"، كما حثوا على التخلق بالصدق داخل البيت عند تعامل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض؛ فها هو الملك "خيتي" أحد ملوك إهناسيا ينصح ابنه "مري كا رع" فيقول:

"لا تقل إلا الصدق في بيتك حتى يخشاك الأشراف الذين يسيطرون على البلاد".

ولم يتوقف الصدق عندهم على النطق به بل عبروا عنه أيضًا من خلال ما تخط أقلامهم فها هو أحدهم يدعو ابنه الذي يعمل بمهنة الكتابة، ألا يخط قلمه إلا صدقًا فيقول له محذرًا: لينطق قلمك بالحق، ولا يخط إلا بالصدق بما يفيد الناس.

ويتضح ذلك من خلال حرصهم الدائم على تجنب الكذب والتحذير منه؛ فنجد نقشًاعلى مقبرة أحد كبار المسؤولين في عام (2500 ق.م) ، يبين فيها المتوفى كيف كانت علاقته بأسرته طيبة فيقول:

إني لا أقول الكذب لأني كنت محبوبًا من والدي، ممدوحًا من والدتي، حسن السلوك مع أخي، ودوداً مع أختي.
وتجدر الإشارة إلى أن الفلاح المصري الفصيح في شكواه التي قدمها للحاكم، يحاول إثارته نحو الصدق فيقول:ولا تكذبن وأنت عظيم، ولا تكونن خفيفاً وأنت عظيم، ولا تقولن الكذب فإنك الميزان، إنك على مستوى واحد مع الميزان فإذا انقلب انقلبت، ولا تغتصبن بل اعمل ضد المغتصب، فذلك العظيم ليس عظيمًا ما دام جشعًا، إن لسانك هو ثقل الميزان، وقلبك هو ما يوزن به، وشفتاك هما ذراعاه؛ فإن سترت وجهك أمام الشر فمن ذا الذي يكبحه؟

أما الحكيم "آمون إم أوبى ؛

"لا  تؤدين شهادة كذبًا، ولا تلعن من هو أكبر منك سنًا، فإنه مؤلم جدًا، ولا تتكلمن مع انسان كذباً"، وقال أيضاً؛ داعيًا إلى الالتزام بخلق السماحة وتجنب النفاق:

"لا تقرئ أحد السلام، عندما يكون في باطنك حقدًا عليه، ولا تتكلمن مع انسان كذبًا فذلك ما يمقته الرب، ولا تفضلن قلبك على لسانك، واعلم أن الممقوت من الرب من يزّور في الكلام؛ لأن أكبر شيء يكرهه الرب هو النفاق."

ومن نصائح  "بتاح حتب في وصيته "؛ الذي عمل وزيرًا لأحد ملوك الأسرة الخامسة؛ يوصي ابنه فيقول:

" كن حاذقًا في صناعة الكلام، لأن قوة الرجل لسانه، والكلام أقوى من أي محاربة" ، ويقول له أيضًا:
"إن الفرد الذي يحمل فضيلة الحق في قلبه أحب إلى الرب من نور الظالم، اعمل شيئًا حتى يُعمل لك بالمثل".
وهكذا كان المصري القديم متمسكاً بفضيلة الصدق؛ داعياً غيره للتحلي بها، وكان في ذلك معتقدًا أن الرب سيجازيه على كل ما ينطق به لسانه؛ سواءً كان صدقًا أم كذبًا.




التقويم القبطى" حكايات وأسرار

كتب أ. د؛  عبد الرحيم ريحان

التقويم القبطى هو التقويم المصرى القديم أقدم تقويم عرفته البشرية ويعود لعام 241 ق . م , وهو يعتمد على أحد النجوم الكبري " نجم الشعرى اليمانية " كأساس له فى الحساب وأن ظهور هذا النجم مرتبط بفيضان النيل ولهذا يعرف بالتقويم النجمي أو الفرعونى وشهور هذا التقويم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمواسم الزراعية والفيضان وطقس مصر والسنة القبطية 365 يوم وست ساعات
وشهد المسيحيون أسوأ موجة تعذيب فى عهد دقلديانوس الذى أغلق الكنائس ودمر الأدب المسيحى وعذّب المسيحيين لذلك بدأت الكنيسة المصرية تقويمها بالسنة الأولى من حكمه وأسمته تقويم الشهداء عام 284م واستهل دقلديانوس حكمه بتركيز جهده للقضاء على الدين المسيحى فى شخصية معتنقيه فقتل وشرد الآلاف وقام بقتل جماعة كبيرة فى الإسكندرية عام 284م وهى الحادثة التى عرفت بحادثة الشهداء.


الشهور القبطية


ويبدأ التقويم القبطى بشهر توت ومقابل له فرعونى تحوت ويبدأ من 11 سبتمبر إلى 10 أكتوبر ، بابة ويقابله حابى من 11 أكتوبر إلى 10 نوفمبر، هاتور ويقابله حتحور من 11 نوفمبر إلى 9 ديسمبر ، كيهك ويقابله كا – ها – كا من 10 ديسمبر إلى 8 يناير ، طوبة ويقابله أمسو- خيم من 9 يناير إلى 7 فبراير ، أمشير ويقابله ميجير من 8 فبراير إلى 9 مارس ، برمهات ويقابله مونت من 10 مارس إلى 8 أبريل ، برمودة ويقابله رنّو من 9 أبريل إلى 8 مايو ، بشنس ويقابله خنتى من 9 مايو إلى 7 يونيو ، بؤونة من 8 يونيو إلى 7 يوليو ، أبيب ويقابله أبيده من 8 يوليو إلى 6 أغسطس ، مسرى ويقابله مس –
أو – رى من 7 أغسطس إلى 5 سبتمبر ، نسئ من 6 سبتمبر إلى 10 سبتمبر

عيد الميلاد

ويحتفل مسيحو مصر بعيد ميلاد السيد المسيح يوم 29 كيهك حسب التقويم القبطى و هذا اليوم يوافق 25 ديسمبر من كل عام حسب التقويم الرومانى الذى سمى بعد ذلك بالميلادى ولقد تحدد عيد ميلاد المسيح يوم 29 كيهك الموافق 25 ديسمبر وذلك فى مجمع نيقية عام 325 م حيث يكون عيد ميلاد المسيح فى أطول ليلة وأقصر نهار (فلكياً) ولم يذكر القرآن الكريم أى تاريخ أو مكان لميلاد السيد المسيح سوى "مكانا شرقيا" " واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيا" مريم 16 بالنسبة إلى مسكن عائلة أم السيد المسيح السيدة مريم العذراء وفى أناجيل العهد الجديد الأربعة لم يتحدث مرقص ويوحنا عن واقعة الميلاد واختلف متى ولوقا سواء في تحديدهما لتاريخ الميلاد أو لموقعه فبينما يذكر إنجيل متى أن مولده كان في أيام حكم الملك هيرودوس الذى مات فى العام الرابع قبل الميلاد فان إنجيل مرقص يجعل مولده فى عام الإحصاء الروماني، أى فى العام السادس الميلادى

اختلاف التاريخ


وعن أسباب اختلاف التاريخ لميلاد السيد المسيح بين الشرق والغرب نوضح أنه فى عام 1582م فى عهد البابا جريجورى بابا روما لاحظ العلماء أن يوم 25 ديسمبر عيد الميلاد ليس فى موضعه أى أنه لا يقع فى أطول ليل وأقصر نهار وهناك فرق عشرة أيام أى يجب تقديم 25 ديسمبر بمقدار عشرة أيام ليقع فى أطول ليل وأقصر نهار ونتج ذلك من الخطأ فى حساب طول السنة (السنة تساوى دورة كاملة للأرض حول الشمس) إذ كانت السنة فى التقويم اليوليانى تحسب على أنها 365 يوم وست ساعات ولكن العلماء لاحظوا أن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يوم وخمس ساعات و48 دقيقة و46 ثانية أى أقل من طول السنة السابق حسابها حسب التقويم اليوليانى بفارق 11 دقيقة و14 ثانية ومجموع هذا الفرق منذ مجمع نيقية عام 325م حتى عام 1582 كان حوالى عشرة أيام فأمر البابا جريجورى بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادى اليوليانى حتى يقع 25 ديسمبر فى موقعه كما كان أيام مجمع نيقية وسمى هذا التعديل بالتقويم الغريغورى إذ أصبح يوم 5 أكتوبر 1582 هو يوم 15 أكتوبر فى جميع أنحاء إيطاليا ووضع البابا غريغوريوس قاعدة تضمن وقوع عيد الميلاد ديسمبر فى موقعه الفلكى أطول ليل و أقصر نهار وذلك بحذف ثلاثة أيام كل 400 سنة لأن تجميع فرق 11 دقيقة و 14 ثانية يساوى ثلاثة أيام كل 400 سنة ثم بدأت بعد ذلك بقية دول أوروبا تعمل بهذا التعديل الذى وصل إلى 13 يوم ولكن لم يعمل بهذا التعديل فى مصر إلا بعد دخول الإنجليز إليها عام 1882 فأصبح 11 أغسطس هو 24 أغسطس وفى تلك السنة أصبح 29 كيهك عيد الميلاد يوافق يوم 7 يناير بدلا من 25 ديسمبر كما كان قبل دخول الإنجليز إلى مصر أى قبل طرح هذا الفرق لأن هذا الفرق 13 يوما لم يطرح من التقويم القبطى.

مدلول الشهور القبطية

مدلول الشهور القبطية له جذور راسخة فى تاريخ مصر القديمة مازالت تستخدم حتى الآن فى قرى مصر خاصّة فى الصعيد ومنها توت يقول للبرد إتفضل فوت ، بابة ادخل واقفل البوابة ، هاتور أبو الدهب المنثور ، كيهك تقوم من فطارك تحضر عشاك ، طوبة ماتبلش ولا عرقوبة ، أمشير أبو الزعابير ، برمهات روح الغيط وهات ، برمودة دق العامودة ، بشنس يكنس الغيطان كنس ، بؤونة الحجر ، أبيب إلى ياكل ملوخية يروح للطبيب ، مسرى تجرى فيها كل قناة عسرى ، نسئ ست أيام نسيان


من نحن

  • مجلة كاسل الحضارة والتراث معنية بالآثار والحضارة وعلوم الآثار والسياحة على المستوى المحلى والإقليمى والدولى ونشر الأبحاث المتخصصة الأكاديمية فى المجالات السابقة
  • 00201004734646 / 0020236868399
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.