كاسل الحضارة والتراث Written by  آب 10, 2019 - 9755 Views

مسجد نيوجيه ببكين شاهدا على ألف عام من تاريخ المسلمين في العاصمة الصينية

Rate this item
(6 votes)

كتب د/ حماده محمد هجرس

مدرس بكلية الآثار جامعة الفيوم

الموقع

يقع مسجد نيوجيه بشارع نيوجيه (Niújiē-牛街) ومعناه لغويًا شارع البقر، وهو من أهم مناطق بكين التي تتركز فيها طقوس الذبح الإسلامية، وقد اشتق الشارع اسمه لكونه ظل مكانًا لتجارة الأبقار –وهي التجارة التي سيطر عليها المسلمون لقرون من الزمن- في بكين. كان لشارع نيوجيه عدة اسماء على مر التاريخ منها: شارع الرمان (Shíliújiē-石榴街)، و قرية ليوخه (Liǔhécūn-柳河村)، وطريق لحم البقر (Niúròu Hútòng-牛肉胡同)، وكانت هذه المنطقة خلال عصر أسرة سونغ (349-678هـ/960-1279م) منطقة براري ومستنقعات وبساتين فواكه مثل أشجار العنب والرمان، أما الإسم الحالي (نيوجيه) فقد ظهر خلال عصر أسرة مينغ (796-1054هـ/1368-1644م)، واحتفظ باسمه إلى الآن.

يُعتبر شارع نيوجيه من الشوارع القديمة لمدينة بكين، حيث يرجع تاريخ نشأة هذه المنطقة إلى عصر أسرة تانغ (4-294هـ/ 618-907م)، ونمت واتسعت في عام 386هـ/ 996م خلال عصر أسرة سونغ الشمالية (349-678هـ/ 960- 1279م) وبالتحديد في السنة الحادية والعشرين لعصر الإمبراطور تايزونغ (太宗-Tàizōng) (366- 387هـ/976-997م). كان يقع شارع نيوجيه داخل أسوار العاصمة دادو (大都-Dàdū) (بكين حاليًا) خلال عصر أسرة يوان (669-769ھ /1271-1368م)، وعندما تم إعادة تخطيط المدينة خلال عصر أسرة مينغ (770-1054ھ /1368-1644م) أصبح خارج أسوار المدينة الجديدة، بعدما تم بناء سور جديد لها. تُعد هذه المنطقة من الضواحي التي يتركز فيها مسلمي بكين، حيث تقطن به أكبر قومية عرقية ببكين وهي قومية هوي، ويبلغ تعداد قومية هوي بشارع نيوجيه 350000 نسمة وفقًا للإحصاء الحكومي لعام 2000م، وبذلك تبلغ النسبة الكلية لقومية هوي به 54% من التعداد الكلي للأقليات بمدينة بكين.

تاريخ إنشاء المسجد

يعتبر مسجد نيوجيه ثاني أقدم المساجد في الصين وأقدمها في شمالي الصين، وهو أول مسجد بني في مدينة بكين. اختلفت الأراء حول تحديد تاريخ بناء المسجد: في حين يقترح بعض الباحثين أن المسجد تم بنائه في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) ، ترجّح بعض الدراسات الأخرى أن المسجد يرجع تاريخ بنائه إلى عام 384ھ /994م، إلا أنه هناك ثمة اتفاق بين معظم الباحثين الصينيين أن المسجد يعود تاريخ بنائه إلى عصر أسرة سونغ وتحديدًا عام 386ھ /996م.

جدير بالذكر أنه تم تأريخ مسجد نيوجيه عن طريق تحديد أعمار الأخشاب المستخدمة بالمسجد والمعروفة بإسم علم تأريخ الأشجار (Dendrochronology) ؛ حيث قام البروفيسور الآثاري ليو دونجن (liúdūnzhēn-刘敦桢) بمعهد نانجينغ ( Nánjīng Gōngyè Xuéyuàn-南京工业学院) بتحليل عينة من كتلة المحراب الخشبية للمسجد، وانتهى إلى أن الخشب المستخدم تم قطعه عام 386ھ /996م؛ ويعضد التاريخ الأخير تأريخ المسجد بنفس التاريخ أي 386ھ /996م، متفقًا مع الرأي الثاني المذكور عاليه.

المنشئ

تم بناء المسجد على يد الشيخ نصر الدين (Shāihǎi Nàsūlǔdìng-筛海纳苏鲁丁)  بن الشيخ قوام الدين (Shāihǎi Géwamòdìng-筛海革哇默定)، وجاء نصر الدين مع والده إلى مدينة بكين واستقرا بها عام 349ھ /960م. كان نصر الدين -وفقًا للمصادر الصينية- أحد البحارة العرب الذين قدموا للصين في منتصف القرن 4ھ /10م، ويُذكر أنه كان عالمًا وشيخًا وداعية، كما شغل منصبًا رسميًا في بلاط أسرة لياو (304-519ھ /916-1125م). كان للشيخ العربي قوام الدين (Shāihǎi Géwamòdìng-筛海革哇默定者) ثلاثة أبناء: نصر الدين، و سعد الدين، و سند الدين. جدير بالذكر أن كل ابن من أبناء قوام الدين ينسب إليه بناء مسجد بمدينة بكين:  فينسب إلى نصر الدين (Nàsùlǔdìng-那速鲁定) بناء مسجد نيوجيه (موضوع الدراسة)، وينسب إلى سعد الدين (Sāādōudìng -撒阿都定) بناء مسجد بالضاحية الشرقية، وللأسف لا توجد أي أثار لهذا المسجد، أما الإبن الثالث سند الدين ( Sǎnàdìng-撒那定) فيُنسب إليه بناء مسجد دونغسي ببكين.

على أية حال، استطاع نصر الدين الحصول على تصريح إمبراطوري لبناء المسجد بعد أن قدم طلبًا رسميًا، ووافق عليه الإمبراطور، ويبدو أن نصر الدين اختار تلك المنطقة لبناء المسجد لأنها كانت مركزًا لتجمع المسلمين خلال عصر أسرة سونغ الشمالية (349-521ھ /960-1127م). تم بناء المسجد عام 386ھ /996م خلال عصر أسرة سونغ الشمالية -المعاصرة لأسرة لياو-، وهو ما يوافق السنة الحادية والعشرين لعصر الإمبراطور تايزونغ (太宗-Tàizōng) (366- 387ھ /976-997م) لأسرة سونغ الشمالية، وبذلك تقابل السنة الخامسة عشرة لحكم إمبراطور أسرة لياو الإمبراطور شانغ زونغ (Shèngzōng-聖宗) (372-422ھ / 982-1031م). حظي المسجد بالعناية والإهتمام خلال العصور اللاحقة؛ فخلال عصر أسرة مينغ خضع المسجد لإصلاحات واسعة منها ما تم عام 830ھ / 1427م خلال السنة الثانية لعصر الإمبراطور شواندا (Xuāndé-宣德) (828-838ھ /1425-1435م)، وكذلك في عصر الإمبراطور تشانغ تونغ (Zhèngtǒng-正統) (838-853ھ /1435-1449م،861-868ھ /1457-1464م)، حيث تم بناء كل من برج القمر، وقاعة الإستقبال، وقاعتا التدريس. بالإضافة إلى أن المسجد لقى المزيد من الرعاية خلال السنة العاشرة لعصر الإمبراطور تشانغ هُوا (Chénghuà-成化) (868-892ھ /1464-1487م) وذلك في عام 879ھ /1474م، حيث تم تجديد برج القمر، ومُنح المسجد اسم لي باي سي (Lǐbàisì-礼拜寺) ، ومنذ ذلك الحين أصبح مسجد نيوجيه واحدًا من المساجد الأربعة الرسمية لأسرة مينغ (770-1054ھ /1368-1644م) بمدينة بكين.

يُذكر أن مصطلح المساجد الرسمية الأربعة (Sìdàguānsì-四大官寺) قد ظهر خلال عصر أسرة مينغ (770-1054هـ/1368-1644م)، وهي المساجد التي منحها الأباطرة صفة رسمية، أو بعبارة أخرى تم الإعتراف بها وشمولها برعاية الدولة، وكان منح أباطرة أسرة مينغ للمساجد هذه الصفة الرسمية اعترافًا بفضل المسلمين ومكافأة لهم، وذلك نظير مساعدتهم ووقوفهم إلى جوار بعض الأباطرة ومقاتلتهم في صفوفهم ضد التمردات والثورات التي قامت ضد بعضهم، بالإضافة إلى مناصرتهم لبعض الأباطرة ضد البعض الأخر. كان الظهور الأول لمصطلح المساجد الرسمية خلال عصر كل من الإمبراطور تشانغ تونغ (Zhèngtǒng-正统) (ت 868هـ/1464م) وخليفته الإمبراطور جينغ تاي (Jǐngtài-景泰) (1449-1457م)، وكان من بين أباطرة أسرة مينغ أربعة فقط منحوا ذلك المصطلح وهم: الإمبراطور الإمبراطور تشانغ تونغ (Zhèngtǒng-正统) (ت 868هـ/1464م)، والإمبراطور جينغ تاي (Jǐngtài-景泰) (1449-1457م)، والإمبراطور تشانغ هوا (Chénghuà-成化) (1464-1487م)، والإمبراطور جياجينغ (Jiājìng-嘉靖) (1521-1567م)؛ المساجد الرسمية الثلاثة الأخرى هي: مسجد دونغسي (东四清真寺) -موضوع الدراسة-، و مسجد بوشوو (锦什坊街普寿寺) وهو من المساجد الدارسة، و مسجد أندينغ فامينغ (安定门内二条法明寺) أيضًا من المساجد الدارسة.

شهد مسجد نيوجيه كذلك كثيرًا من الإصلاحات خلال عصر الإمبراطور هونغ تشي (Hóngzhì-弘治) (892-911ھ /1487-1505م) لأسرة مينغ؛ إذ تم بناء البرجان التذكاريان والمئذنة. كما يحتفظ المسجد بلوحات ونقوش تذكارية توثق عديد من الإصلاحات التي تمت بالمسجد ومنها لوحات ترجع للسنة الحادية والأربعون لعصر الإمبراطور وانلي (Wànlì-万历) (980-1029ھ /1572-1620م) عام 1022ھ/1613م، وأخرى لعام 1054ھ /1644م خلال السنة السابعة عشرة لعصر آخر أباطرة أسرة مينغ الإمبراطور تشونغ تشن (Chóngzhēn-崇祯) (1037-1054ھ / 1627-1644م). حظي المسجد أيضًا بمجموعة من الإصلاحات المتوالية خلال عصر أسرة تشينغ، وذلك خلال السنة الخامسة والثلاثين لفترة حكم الإمبراطور كانغشي (Kāngxī-康熙) (1071-1135ھ /1661-1722م) أي ما يوافق عام 1107ھ /1696م، حيث تم تجديد أجزاء من سقف المسجد، كما يحتفظ المسجد بلوحة تذكارية لمرسوم أصدره هذا الإمبراطور خلال السنة الثالثة والثلاثين من فترة حكمه في عام 1105ھ /1694م. تكمن أهمية هذا المرسوم ليس فقط في قيمته التاريخية بل أيضًا في مضمون نقوشه وكتاباته، والتي توضح علاقة أباطرة أسرة تشينغ بالمسلمين في الصين، حيث جاء فيه: "ليكن في علم جميع المقاطعات أن الحاكم سيقوم بمعاقبة أي شخص يلفق حكايات كاذبة عن المسلمين، وليتمسك المسلمين بدينهم دون مخالفة أوامري".

تم تجديد الميضأة عام 1914م، كما تم إضافة الزيادتان الشمالية والجنوبية في العام ذاته، وبعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949م خصصت حكومة الصين الشعبية مبلغًا لترميم مسجد نيوجيه ترميمًا شاملًا. وللأسف الشديد عانى المسجد في فترة "الثورة الثقافية" 1966-1976م من التخريب والإهمال، كما أغلقت أبوابه أكثر من عشر سنوات. وفي عام 1979م ضمّته الحكومة الصينية إلى هيئة حفظ الآثار والتراث الصينية (全国重点文物保护单位) ، وأخيرًا  تم ترميم المسجد عام 1996م.

الوصف العام

المسجد عبارة عن مستطيل ضخم حيث يبلغ طوله من الشرق إلى الغرب 128متر، ومن الشمال إلى الجنوب 72متر. يتجه المحور الطولي للمسجد اتجاه شرق- غرب؛ وذلك لتلبية الغرض الوظيفي الرئيسي ألا وهو الإتجاه إلى القبلة غربي الصين. المسجد محدد بسور مبني من الآجر يرجع تاريخه إلى تجديدات عام 879ھ /1474م، وهو ما يوافق السنة العاشرة لفترة الحكم الأولى للإمبراطور تشانغ هوا (Chénghuà-成化) (ت 892ھ /1487م)، عدا بعض الأجزاء التي حل محل السور بها واجهات أبنية لاحقة على تاريخ بناء السور؛ ويبلغ متوسط ارتفاع السور 3,5متر تقريبًا، بينما ترتفع واجهات الأبنية الملحقة بارتفاعات تتراوح بين خمسة إلى سبعة أمتار. ينتهي السور بهيئة جمالونية يعلوها عنصر يُعرف باسم قصبة السقف العلوية (正脊-Zhèngjí) –أخطرة البنيان- وهي عبارة عن قصبة حجرية أو آجرية تتوج منحنى أو جمالون البناء، ويزخرف كل من جانبي السقف المائلين البلاطات الفخارية المزججة والعجلات الفخارية وفق الطراز الصيني التقليدي.

يتبع تخطيط مسجد نيوجيه التخطيط المعماري الصيني التقليدي؛ حيث يعتمد هذا التخطيط على الصحون أو الأفنية المكشوفة التي تطل عليها قاعات وأبنية مستقلة. يتكون المسجد من: كتلة المدخل الرئيسي وبرج القمر، والساحة الأمامية، والمسجد، متبوعًا بصحن المسجد، يشرف عليه قاعات متعددة ومتباينة الوظائف، وبرجان تذكاريان، ومئذنة، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الملحقات فضلًا عن شبكة الممرات والمداخل.

برج القمر

يُعرف برج القمر بإسم وانج ييه لووْ (望月楼-Wàngyuèlóu)، ويُستخدم لاستطلاع ورؤية الهلال، وهو من المباني المهمة بالمسجد وتكمن أهميته لوقوعه بالواجهة الرئيسة على المحور الأوسط للمسجد. ويعتبر هذا البرج هو برج القمر الوحيد الباقي بمساجد بكين؛ إذ كانت بعض المساجد الدارسة تحتوي على أمثلة له مثل مسجد هويزي يينج (回子营清真寺-Huíziyíng Qīngzhēnsi) الخاص بقومية الأويغور الذي يعود تاريخ بنائه بين عامي 1175-1177ھ /1762-1764م، بالإضافة إلى أن عديد من مساجد نينغيشيا (Ningxia) وشيآن (Xia'n) وتشوتشيانغ (Zhejiang)  مازالت تحتوي على أبراج القمر. كان برج القمر له مهام محددة –وهي رؤية الهلال- كما ذكرنا أعلاه، ونعتقد أن لم يُستخدم كبرج دفاعي أو برج للمراقبة؛ وذلك لعدة أسباب منها: تكوينه المعماري الذي يعتمد في مادة بنائه بصفة أساسية على الأجر والخشب، بالإضافة إلى الزخارف والمنحوتات الصينية التقليدية التي تزين الرفارف، وهو ما يوحي بأن وظيفته لم تكن دفاعية. أما عن جانب الحراسة؛ فيذكر أن البرج بمسجد نيوجيه يكتنفه من الجانبين حجرة معدة للحراسة تقع في الساحة الأمامية للمسجد. بني برج القمر بمسجد نيوجيه عام 846ھ /1442م خلال السنة السابعة للفترة الأولى من حكم الإمبراطور تشانغ تونغ (Zhèngtǒng-正统) (ت 868ھ /1464م). وتم تجديد البرج عام 879ھ /1474م، وهو ما يوافق السنة العاشرة لعصر إمبراطور أسرة مينغ الإمبراطور تشانغ هوا (Chénghuà-成化) (ت 892ھ /1487م). كما تم تجديده ثانيةً في عصر أسرة تشينغ وتحديدًا في عصر الإمبراطور كانغشي (1072-1135ھ /1661-1722م).

 بيت الصلاة

يقع في الناحية الغربية لصحن المسجد، وتخطيطه العام دون مقصورة المحراب جاء على هيئة حرف T بالمقلوب، يبدأ المسجد من الشرق ويتجه ناحية الغرب، ويتكون بيت من ثلاث مساحات تم تنظيمها وترتيبها معًا كأنها بناء واحد. يرتكز المسجد على دكّة "منصة" حجرية –شأنه شأن غيرها من المباني الصينية التقليدية-. تنقسم واجهة الجدارين الشمالي والجنوبي للمسجد إلى مستويين: الأول وهو السفلي ومادة بنائه الآجر، ويبدأ من مستوى الدكّة حتى العتب السفلي للنوافذ، أما الجزء العلوي فمادة بنائه هي الخشب ويمتد إلى الأعلى حتى يتصل  مع السقف.

تتميز المساحات الثلاثة للمسجد بأن كل منها مسقوفة بسقف جمالوني تقليدي، وهذا النوع من السقوف من التأثيرات المحلية على عمارة المساجد الصينية. يعود هذا السقف إلى التجديدات التي تمت للمسجد خلال عصر الإمبراطور كانغشي (1071-1134ھ /1661-1722م) لأسرة تشينغ؛ إذ لم يبق من الإصلاحات التي تمت للمسجد خلال عصر أسرة مينغ سوى الأعمدة والدعامات والعوارض والعقود والكتابات والزخارف والتخطيط العام للمسجد. يتمايز كل سقف من السقوف الثلاث عن بعضهم البعض؛ إذ جاء سقف السقيفة الأمامية وفق طراز السقف الجمالوني المعلّق، في حين كان السقف الجمالوني المورك (شييه شان دينغ) هو وسيلة التغطية للمساحة الوسطى (بيت الصلاة)، أما مقصورة المحراب فقد جاءت وفق طراز القباب الخشبية المخروطية. من الجدير بالذكر أن هذا الطراز من السقوف المتعددة التي تغطي بناء واحد يُطلق على اسم غوليان دا (Gōuliándā-勾连搭) وتعرف لغويًا بإسم السقوف الجمالونية المتراكبة أو المتواطئة.

تشغل قاعة الصلاة مساحة مستطيلة حيث يبلغ طولها من الشرق إلى الغرب 27متر ومن الشمال إلى الجنوب 26 متر، وبذلك يبرز بيت الصلاة عن السقيفة بمقدار 3م من الجانبين الشمالي والجنوبي، فتح في كل من هذه الزيادة فتحة باب غير معقودة يغلق عليها مصراعان من الخشب، يبلغ اتساع كل منها 2م وارتفاعها 3م. والحقيقة أن وجود مداخل وأبواب فتحت في الضلع الشرقي لكل من الزيادتان الشمالية والجنوبية لبيت الصلاة هو أسلوب تقليدي ظهر في عديد من مساجد بكين. فُتح في كل من الجدار الشمالي والجنوبي خمس نوافذ متماثلة من حيث الشكل والأبعاد؛ فكل منها عبارة عن فتحة مربعة طول ضلعها 1,35م، ترتفع عن مستوى أرضية المسجد بمقدار متر تقريبًا، وجميع النوافذ معقودة بعقد زخرفي على هيئة مفصصة شبيهة بعقود نوافذ كل من برج القمر والمئذنة والهيكلان التذكاريان.

تعتبر مقصورة المحراب هي العمارة الوحيدة بالمسجد التي تعود إلى عصر أسرتي سونغ ولياو، وهناك ثمة إتفاق بين الباحثين الصينيين أن مسجد نيوجيه يرجع تاريخ بنائه إلى عام 386ھ /996م. جدير بالذكر أنه تم تأريخ مقصورة المحراب عن طريق تحديد أعمار الأخشاب المستخدمة بالمسجد والمعروفة بإسم علم تأريخ الأشجار (Dendrochronology)؛ حيث قام البروفيسور الآثاري ليو دونجن (liúdūnzhēn-刘敦桢) بمعهد نانجينج ( Nánjīng Gōngyè Xuéyuàn-南京工业学院) بتحليل عينة من كتلة المحراب الخشبية، وانتهى إلى أن الخشب المستخدم تم قطعه عام 386ھ /996م. ومما يدعم هذا الرأي الإكتشافات الأثرية ، حيث تم العثور على قطع زجاجية ومنسوجات إسلامية بالمدينة ذات زخارف إسلامية يرجع تاريخها إلى القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي).

المئذنة

تقع في الجهة الشرقية لصحن بيت الصلاة، وقد بنيت في أول الأمر في عصر أسرة يوان المغولية، وذلك عام 671ھ /1273م خلال السنة الرابعة العاشرة لفترة حكم الإمبراطور قوبلاي خان (658-693ھ /1260-1294م) ، ثم تم إعادة بناؤها في الموقع ذاته مرة أخرى خلال عصر أسرة مينغ، حيث تم بناؤها خلال السنة العاشرة لفترة حكم الإمبراطور هونغ تشي (Hóngzhì-弘治) (892-911ھ /1487-1505م) وبالتحديد عام 901ھ /1496م. أما عن الشكل العام للمئذنة فقد اتبعت بصفة عامة شكل الهياكل الخشبية الصينية التقليدية، وهي عبارة عن بناء ذو مسقط مربع يقوم على دكّة حجرية،  ويبلغ ارتفاعه الكلي 9 متر. تتكون المئنة من مستويين: الأول وهو المكعب السفلي، وهو عبارة عن حجرة ذات مسقط مربع مبنية بالآجر، ويبلغ طول ضلعها 6,30 متر وارتفاعها 5,5 متر، ولها مدخلان مماثلان لبرج القمر أحدهما يقع في الجدار الشرقي والآخر يقابله في الجدار الغربي، وكل منهما عبارة عن فتحة باب معقودة بعقد نصف دائري تم كسوته بصنجات حجرية على هيئة مفصصة،  يبلغ اتساع فتحة الباب 2 متر وارتفاعها 2,40 متر.

البرجان التذكاريان

يحتوي صحن المسجد على برجين تذكاريين: يقع أحدهما في شمال الصحن والآخر في جنوبه أمام المسجد وتم تشييدهما عام 901ھ /1496م خلال عصر أسرة مينغ وذلك خلال السنة التاسعة لعصر الإمبراطور هونغ تشي (Hóngzhì-弘治) (893-911ھ / 1488-1505م)، ويضم كل هيكل نصب تذكاري لمرسوم إمبراطوري للإمبراطور هونغ تشي  (893-911ھ / 1488-1505م). يتخذ البرجين شكل الهياكل الصينية التقليدية، ويشغل كل منهما مساحة مربعة طول ضلعها 3,5 متر، ولها أربعة جدران يبلغ سمك كل منها 57سم، ويتوسط الجدار المواجه للصحن فتحة باب معقودة بعقد نصف دائري. يتوسط النقش التذكاري الحجرة ويبلغ ارتفاعه 2م، وعرضه 93سم، ومقام على قاعدة شومي (Xūmízuò-须弥座) ويبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب 1,35 متر ومن الشرق إلى الغرب 70سم وارتفاعها 72سم. يضم النصب الشمالي كتابات باللغة الصينية التقليدية تعود إلى عام 1025ھ/1616م خلال السنة الحادية والأربعين لعصر الإمبراطور وانلي (980-1029ھ/1572-1620م). أما نقوش النصب الجنوبي فجاءت باللغتين الصينية والفارسية وتعود إلى عام 901ھ /1496م وذلك خلال السنة التاسعة لعصر الإمبراطور هونغ تشي (893-911ھ / 1488-1505م)، وللأسف فإن النقوش في حالة سيئة من الحفظ، إذ تضررت في معظمها.

مقبرة الأئمة

ندخل إليها عن طريق مدخل في الطرف الجنوبي الشرقي للصحن، وهي ساحة مربعة أيضًا طول ضلعها 9متر، وتحتوي هذه المساحة على قبرين لشيخين عربيين خدما كإمامين للمسجد خلال القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي. ووفقًا لشاهدي المقبرتين فإنهما ترجعان إلى عصر أسرة يوان (669-769ھ /1271-1368م)؛ فالأول مؤرخ بعام 679ھ /1280م ويُنسب إلى محمد بن محمد بن أحمد البرتاني القزويني، أما الثاني فيُنسب إلى الشيخ علي بن القاضي عماد الدين البخاري، ومؤرخ بعام 682ھ /1283م. المقبرتان مبنيتان بالحجارة، ولهما شكل هرمي يتكون من تسعة مصاطب ارتفاعها الإجمالي 1,5متر، ويتقدم المقبرة في الجهة الشمالية الشاهدان التذكاريان، ويحملان النقوش والكتابات العربية (شكل7)، فاللوحة الأول تتكون كتاباتها من تسعة سطور نصها كالتالي: "الملك للملك الأعلى. هنا مرقد من كان في الدنيا موفقا لإكتساب الحسنات الخيرات وروضة من عمل بأوامر الله لنيل الدرجات وروضات الجنات. وتربة من انكر أوقات أيام حيوته (حياته) الدنيا وبه مشغول بعمله الديني. لله الدولة والدين المسمّى محمد بن محمد بن أحمد البرتاني القزويني. وقد التقى وفانيه الكريم الذي له في الكرم اليد الطولى. ليلة الإثنين الخامس من الشهر الذي سمّته العرب جمادى الأولى من الشهور الواقعة في سنة تسع وسبعين وستماية.أكرمه الله تعالى بقبول الطاعة وغفران السيئة". أما اللوحة الثاني: فتتكون كتاباتها من ستة سطور مكتوبة بخط الثلث ونصها كالتالي: "كل نفس ذائقة الموت. هنا مرقد الإمام الفاضل مرسي المجامع والمحافل علي بن القاضي عماد الدين البخاري أكرمه برحمته الكريم الباري المعروف بقوام الدين الداعي الذي هو في الخيرات ساعي وقد أنفق أغراضه عن هذه الدنيا الزائلة. يوم الأحد الخامس والعشرين من شوال سنة إثنتين وثمانين وستماية".

قائمة المراجع

  1. حماده محمد هجرس، المساجد الأثرية في مدينة بكين الصينية منذ القرن 4هـ/10م حتى نهاية القرن 13هـ/19م "دراسة اثرية معمارية"، مخطوط رسالة دكتوراة غير منشور، كلية الآثار- جامعة الفيوم، 2016م.
  2. Chenyu, Ning & Tang, Xiaofang, (陈育宁 & 汤晓芳), «回族古代宗教建筑的文化艺术特征», 西北民族研究, 2007年, 第4期, 总第55期, 页15-22 («Characteristics of Hui Minority Culture and Art of the Ancient Religious Architecture», Journal Xibei Ethnic Studies, 2007, Vol. 4, No. 55, pp. 15:22).
  3. Chenyu, Ning & Tang, Xiaofang, (陈育宁 & 汤晓芳), 中国回族文物 (= Heritage of Chinese Hui Minority, 宁夏人民出版社 (Ningxia People's Press), 2007.
  4. Gladney, Dru, Dislocating China, Muslims, Minorities, and OTher Subaltern Subjects, Hurst & Co. Publishers, 2004.
  5. Gladney, Dru, Muslim Chinese: Ethnic Nationalism in The People's Republic, Harvard College Press, 1996.
  6. Hasmath, Reza, Managing Ethnic Diversity: Meanings and Practices from an International Perspective, Ashgate Publishing, Ltd, 2012.
  7. Junwen, Liu, «China’s Ancient and Modern Capital», Beijing: foreign languages Press, 1982.
  8. Liangjing, Yu (梁井宇), 牛街:一个城市回族社区的形成与演变,(=Niujie: Formation and Evolution of an Urban Hui Community), 北京:中央民族大学民族学与社会学学院博士论文 (=Beijing: Central University for Nationalities, College of Ethnology and Sociology, PhD thesis), 1999.
  9. Liudong, Sheng & Liusheng, Lin (刘东声 & 刘盛林), 北京牛街 (= Niujie Street in Beijing), 北京:北京出版社 (= Beijing Press), 1990.
  10. Liuzhi, Ping (刘致平), 中国伊斯兰教建筑 (=Chinese Islamic Architecture), 北京鑫联必升文化发展有限公司排版 (=Beijing: Xinlian House Publishing), 2008.
  11. Maqi, Cheng (马启成), 回族历史与文化暨民族学研究 (=Ethnic Study of Hui Minority's History and Culture), 北京: 中央民族大学出版社 (= Beijing: Zhongyang Minzu Press), 2006.
  12. Steinhardt, Nancy, «China’s Earliest Mosques», Journal of The Society of Architectural Historians, (2008), Vol.67, no.3, pp. 330:361.
  13. Tongxun (佟洵), 伊斯兰教与北京清真寺文化 (= Mosques and Islamic Culture in Beijing), 北京: 中央民族大学出版社 (= Beijing: Zhongyang Minzu University Press), 2003.
  14. Tuo, Tuo, 脱脱,《辽史》卷四十,〈地理志四〉, (= Liao History, Volume 40, Four Kingdom), 北京:中华书局 (= Zhonghua Books), 1974.
  15. Wahby, Ahmed, Islamic Architecture in China, Mosques of Eastern China, Master's Degree, Cairo, The American University in Cairo, School of Humanities and Social Sciences, 2000.
  16. Wang, Wenfei & Zhou, Shangyi & Fan, Cindy, «Growth and Decline of Muslim Hui Enclaves in Beijing», Eurasian Geography and Economics, (2002), Vol. 43, No.2, pp. 104:122.
  17. Yang, Qing (杨青), «北京牛街回族妇社会参与刍议», 中南民族大学学抱, 人文社会科学版 (2013年9月) ,第33卷第5期,页65:68 (= «Social Participation of Hui Women's in Niujie Street in Beijing», Journal of Zhongnan Minzu University, September 2013, Vol. 33, No. 5), 65:68.

من نحن

  • مجلة كاسل الحضارة والتراث معنية بالآثار والحضارة وعلوم الآثار والسياحة على المستوى المحلى والإقليمى والدولى ونشر الأبحاث المتخصصة الأكاديمية فى المجالات السابقة
  • 00201004734646 / 0020236868399
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.